Site icon IMLebanon

أتكبح النائبات “الثورويات” ذكورية المجلس؟

 

 

فاحت رائحة العفن من أدراج المجلس النيابيّ حيث عشرات مشاريع القوانين المتعلّقة بحقوق المرأة باتت طيّ النسيان، أو سقطت مع انتهاء ولاية المجلس النيابيّ القديم وانتخاب مجلس جديد منذ أشهر. ولكن، ولأنّ الحقوق لا يجب أن تُهدر، تأمل مواطنات وهيئات نسائية في لبنان، من المجلس الجديد، وتحديدًا من «المشرّعات» الجديدات فيه، واللّواتي انتُخبن لأكثر من دورة، أن يعملن على نفض الغبار عن تلك القوانين المتعلّقة بالمرأة وحقوقها، وإعادة العمل بها، وتحويلها من مشاريع إلى قوانين والضغط في اتجاه إقرارها، كما يُؤمل منهنّ أن يأخذن على عاتقهنّ إعداد قوانين حديثة أو تبنّي المعدّة مسبقًا من الهيئات والمعنيين، والسعي لإقرارها، حتّى تتمكنّ المرأة اللّبنانيّة من انتزاع «حقهّا» ولو بعد حين. كثيرة هي المشاريع المرتبطة بحقوق المرأة، والتي يجب أن تُقدّم إلى المجلس النيابيّ لدرسها وإقرارها، بهدف تحسين واقعها سياسيًا اقتصاديًا واجتماعيًا.. فما هي تلك القوانين الواجب إقرارها، وما هي تأثيراتها الإيجابية على واقع المرأة؟

الكوتا

أوّلاً، قانون الكوتا النسائيّة وما يحمله من أبعاد على مستوى دور المرأة، حيث تؤكّد أمينة سرّ الهيئة الوطنية لشؤون المرأة رندا عبّود «أهميّة مشاركة المرأة في العمل السياسي، الأمر الذي يحقق العدالة والديموقراطية ويساهم في وصولها إلى المجلس النيابي للدفع بقضايا المرأة وإقرارها، لأنّ في غيابها عن المجلس النيابيّ، سيبقي التشريع ذكوريّ الهوا».

 

إنطلاقاً من ذلك، تشدّد عبّود على ضرورة إقرار قانون باعتماد «الكوتا النسائية»، على الصعيدين الوطني «مجلس النواب» والمحليّ «المجالس البلدية».

 

في العام 2021 صبَّ مجلس النواب كل جهده لـ «إجهاض» مشروع «الكوتا النسائيّة»، وأسقط منه بنتيجة التصويت صفة المعجّل المكرّر، وتمّت إحالته الى اللّجان النيابيّة لإستبعاد اعتماده خلال الإنتخابات النيابيّة الأخيرة. وهنا تشير عبود الى أنّ «الهيئة الوطنية قد تقدّمت بمشروع قانون آخر سهلُ التطبيق ولا يضرّ لا بمصلحة الأحزاب ولا بمصالح الرجال، حيث تتنافس السيدات على 24 مقعدًا تُفرز على قاعدة القانون الأكثريّ». والأبرز، بالنسبة إلى عبود، هو أنّ «السيدات سوف يشكّلن قيمة مضافة لكل لائحة، خصوصًا وانّ المقعد المحجوز كوتا نسائية ليس في حاجة إلى تأمين حاصل للنجاح، كما أنّ الاصوات التي تكسبها المرأة المرشحة على مقعد الكوتا تُضاف إلى الحواصل التي تجمعها اللائحة، وهنا لم يعد في الإمكان التذرّع بأنّ وجود امرأة على اللائحة واعتماد الكوتا سيرهقان اللائحة، لا بل على العكس سيكسبها مقعداً إضافياً، ولا ينتقص من الحواصل – وهذا ما كانت تتذرّع به الكتل والأحزاب لإسقاط إقرار الكوتا النسائية – وتعطي عبود مثالًا على ذلك: «ففي حال ضَمَّ القضاء 8 مقاعد، يتنافس من ضمنها 7 مرشحين على 7 مقاعد – رجال او سيدات – تُفرز وفقًا للقانون النسبي، فيما يبقى المقعد الثامن للنساء وتتنافس عليه المرشحات وفق القانون الأكثري، وبالتالي تصبح المنافسة بين السيدات على مختلف اللوائح، والسيدة التي تجمع العدد الأعلى من الاصوات تفوز بالمقعد، وهنا يأتي دورها في إطار تحسين رصيد الفريق أو الجهة التي تنتمي اليها».

 

وتشير عبّود إلى أنّ هذا القانون «يحفظ تمثيل المرأة، فتصبح وتاليًا مقاعد نوّاب «الصدفة»، أي الذين يصلون إلى قبة البرلمان بـ 200 صوت أو أقل، من حصّة السيدات اللّواتي سيكسبن مقاعدهن بجدارة».

 

وترى عبّود أنّ «قانون الكوتا يجب أن يُطبّق أيضًا في قانون البلديات، وانّ الهيئة الوطنية اعدّت مشروع قانون بهذا الصدد، وتسعى جاهدة من خلال الحكومة لإقراره نظرًا لأهمية مشاركة المرأة في الإدارة المحلية، وكذلك طرحت الهيئة مشروع قانون لإقرار كوتا ضمن مجالس ادارة الشركات، وهذا المشروع قيد الدرس لدى لجنة الادارة والعدل، بعد أن أنهت لجنة المرأة والطفل دراسته، لأنّ التمكين الإقتصادي للمرأة هو الأساس، فالمرأة المتمكنة اقتصاديًا يمكنها توسيع آفاق عملها والتوجّه نحو الميدان السياسي والمجتمعيّ للوصول إلى مراكزصنع القرار».

 

الجنسيّة

قانون الجنسية، وهو الحقّ المسلوب من المرأة اللّبنانيّة تحت شعار «رهاب التجنيس». هذا الهاجس تفكّك عبود شيفراته بالقول: «إنّ السياسيين يخفون إخفاقهم في إدارة ملف النزوح واللجوء عبر القاء تهمة التجنيس على المرأة اللبنانية، وهذا خطأ جسيم، لأنّ الرجل اللبناني اليوم، هو من يمنح جنسيته بصورة غير شرعية، ويقتضي التحقيق بذلك، حيث يعرض كثير من الرجال منح جنسيتهم عبر زواج وهمي لقاء مبالغ مالية كبيرة، فيفتح الرجل بهذه الخطوة المجال امام عائلة من تزوجها في القدوم والإقامة في لبنان، ويفتح بخطوته هذه ايضًا أسواق الإتجار بالبشر، وزواج القاصرات، وغيرها من الجرائم..»، وعليه، تطالب عبود «بالمساواة وفقًا لأحكام المادة 7 من الدستور اللبناني، فالمساواة تكون سلبية أمّ إيجابيّة، أي إمّا حرمان الرجال والسيدات من حقّ منح الجنسيّة وإمّا العكس».

 

وهنا تلفت عبّود إلى أنّ المرأة المتزوجة «من غير اللّبناني تعيش حالة إجحاف، كونها لا تتساوى مع المرأة الأجنبية التي تحصل على الجنسية اللّبنانية، ويكون في إمكانها إعطاء جنسيتها لأولادها القصّر من زواج سابق، فيما المرأة اللبنانيّة لا يمكنها منح الجنسية لأولادها، ما يضعها في مرتبة مواطن درجة ثانية، فتعاني إجحافًا وعذابًا في الحصول على المستندات الرسمية لأولادها، وجواز إقامة، والطبابة والتسجيل في المدارس والجامعات…الخ».

 

لذلك تشير عبود إلى أنّ «مشكلات التوطين واللّجوء، يجب أن تُحلّ وتُعالج في السياسة وبمصارحة وطنية، وليس على حساب المرأة اللّبنانيّة وحقوقها».

 

قانون الأحوال الشخصيّة

وإلى الكوتا والجنسية يأتي مشروع قانون الأحوال الشخصية. فالتعدّد الطائفي ينعكس سلبًا على التشريعات المتعلقة بالمرأة. ففي لبنان، ليس هناك امرأة مواطنة، بل امرأة مسيحية وأخرى سنيّة وواحدة شيعية ودرزية… ولكلّ منهن تشريع خاص مرتبط بالطائفة! إذًا أين المساواة في الدستور وبالمواطنة؟».

 

وعليه، تشدّد عبود على ضرورة «إعادة طرح القوانين المقدّمة إلى المجلس النيابيّ والمتعلقة بقانون الأحوال الشخصية لدرسها، لأنّها تتضمن الحلول لأزمات عدة أبرزها الزواج والطلاق والحضانة والحراسة والإرث…».

 

وإذ ترى انّ إقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية امر بعيد المنال في الوقت الراهن، تعتبر أنّ الحلّ يبقى «من خلال إقرار قانون الزواج المدني الإختياريّ، حيث يمكن لكل مواطن أن يختار شطب قيده الطائفي، وهذا ما يحرّر الأفراد من عباءة الأحكام الطائفية وننتقل إلى القوانين المدنيّة التي تعالج نتائج الزواج. وهكذا يوضع المدماك الأوّل للدولة المدنية التي تُبنى خطوة بخطوة».

 

العنف الأسرّي

أحد القوانين التي تحرّر المرأة من نير القوانين المجحفة بحقها هو إقرار «قانون العنف الأسري»، هذا القانون الذي أُقرّ عام 2014، وتمّ تعديل بعض مواده عام 2020، عبر تشديد العقوبة وتأمين الحماية للضحية وأطفالها في سن 13 سنة و ما دون، من خلال أمر حماية، اي بتدبير مؤقت يصدر عن الـمرجع القضائي في مناسبة النظر في قضايا العنف الأسري، ويهدف الى حماية الضحية وأطفالها. ومع ذلك لا يزال هذا القانون في حاجة إلى بعض التعديلات، خصوصًا أنّه لا يجرّم فعل إكراه المرأة على الجماع أو الاغتصاب الزوجي بحدّ ذاته، إنّما يجرّم الضرب والإيذاء والتهديد الذي يمارسه الزوج بحق زوجته وأولاده وأفراد عائلته، أضف إلى ذلك لا يشمل القانون علاقات المساكنة والزواج المؤقّت، وأي علاقة خارج إطار الزواج المعترف به قانونًا.

 

زواج القاصرات

رغم كلّ حملات التوعيّة ضدّ «زواج القاصرات» وما يمكن أن يحمله هذا الزواج من تداعيات جسديّة ونفسيّة هدّامة على القاصر وأطفالها من خلفها، الّا أنّ «المجلس النيابيّ لم يُقرّ حتّى يومنا هذا، قانوناً يوحّد سنّ الزواح بـ 18 عامًا. وبحسب ما تلفت عبّود، أنّ صعوبة إقرار هذا القانون سببه الأساس المعتقدات المجتمعية، وارتباط هذه المعضلة بالطوائف وبقوانين الأحوال الشخصيّة، التي يشرّع بعضها سنّ الزواج بسنّ البلوغ، فتصبح «الطفلة» ضحية الموروثات الاجتماعية التي تتناقلها العادات وتحميها المصالح.

 

المساواة في الأجور

يساهم التمكين الاقتصادي للمرأة في أن تلعب دورها على أكمل وجه في المجتمع، ويأتي قانون المساواة في الأجور كجزء من هذا التمكين. وهنا تكشف عبّود أنّ هذا القانون مطبّق في القطاع العام، «لكنّه غير ملزم في القطاع الخاص الذي تُرك حرًا، كوننا في بلد رأسماليّ وليبراليّ حرّ. ومع سيطرة العقلية الذكورية على إدارة كثير من الشركات، نلحظ انّ راتب الرجل يأتي ضعفي راتب المرأة، لذلك وجب اقرار نصّ قانونيّ لحماية المرأة في القطاع الخاص».

 

التحرّش الجنسيّ

تكرّ سُبحة القوانين التي تحمي المرأة في مجتمعاتنا، حيث يأتي إقرار قانون التحرّش الجنسي ضمن المشاريع الأبرز التي اقرّها المجلس النيابي في نهاية العام 2020 ولكن هذا القانون، بحسب عبود، لا يزال في حاجة إلى بعض التعديلات، ومنها ما يتعلّق بإقرار العقوبات في حال وقوع التحرّش ضمن مراكز العمل، لأنّ تعرّض المرأة لأيّ شكل من أشكال التحرّش داخل مركز عملها يؤدّي حكمًا الى تركها العمل وابتعادها، وهذا ما يحدّ من عزيمتها، لذا وجبت حمايتها وتمكينها إقتصاديًا، للانطلاق نحو مواقع أخرى».

 

الامتحان صعب؟

تحتل حقوق المرأة جزءًا كبيرًا من الأحاديث اليومية التي نستمع اليها عبر الإعلام وداخل الصالونات السياسية وفي مجالس المثقفين.. حتى يتراءى لك أنّ هذا المكوّن الذي واجه حروبًا على التقاليد والعادات، انتصر عليها وتمكن من دحرها. ولكن سرعان ما تصطدم بواقع قانوني وتشريعي ينسف كل هذه الحملة الاعلانية التي يلجأ اليها بعض المستغلين لقضية مقدّسة تمتد جذورها عبر التاريخ، وتُعيدك إلى زمن لا يزال يرى في عينه الذكورية المرأة كيانًا ضعيفًا غير قادر على المواجهة والتحدّي.. الإمتحان صعب وعلى المجلس النيابي اجتيازه عبر الإسراع بإقرار تلك القوانين وإيلاء المرأة دورًا بارزًا لتكون شريكًا حقيقيًا في صنع القرار وبناء الدولة.