هو الارهاب بكامل قواه العقلية، الإرهاب المقصود، المبسوط بثماره الدموية، ومن غير الجائز أن يمنح أسبابا تخفيفية وأن يعطى تبريرا يستند إلى اضطرابه العقلي. فعبد الرحمن مبسوط لديه كل القدرة على القتال والقتل، والتحصن في شقة رصد فراغها من ساكنيها، ويتمتع بشهادة القتل المحلف في الرقة، وبترحال بين سوريا وتركيا.
هو حتى لحظاته الأخيرة ظل مخاطبا الأمن بالفصحى، وجد متسعا من الوقت ليحب ويقدم على الطلاق في آن. واختتم ليلة طرابلس العصيبة، بمدونة المرآة، وبكل رومانسية الاعتراف ما قبل الموت. ومن كانت له هذه الخصال والقدرات النفسية والجسدية، فهو حكما مدرك طريقه، وينفذ تعاليم وأفكارا نشأ عليها. يقتل بفخر، موعودا بجنة من صنع جماعته، وليست مسجلة في دوائر السماء.
وعبد الرحمن الذي لا يشبه اسمه، لن يستحق من السياسيين والأمنيين اليوم منحه عفوا دماغيا، ومن مثله لا تسري عليه تبريرات اللواء عماد عثمان الذي قال إن حالته النفسية كانت غير مستقرة، ونحن لا نستطيع أن ندخل إلى عقول الناس، وصل إلى مرحلة يأس، وتصرف تصرفا جنونيا، وهذا عمل إفرادي. والعمل الإفرادي كررته وزيرة الداخلية ريا الحسن التي زارت طرابلس برفقة المدير العام لقوى الأمن الداخلي.
لكن الفرد الذي قتل جماعة، ليس بالضرورة معزولا عن تنسيق وتخطيط من بؤرته الأمنية، وعليه فإن مواقف الحسن وعثمان يخالفهما كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في اجتماع الأمن المركزي، حيث اطلع على تفاصيل الاعتداء الإرهابي، وعلى مجريات التحقيقات التي أظهرت أن خلفياته ثأرية من الجيش والقوى الأمنية.
وبناء على استنتاج رئاسي، فإن من حق اللبنانيين أن يطرحوا السؤال الذي عم البلاد أكثر من حلول العيد، فلماذا أطلق سراح إرهابي بحجم المبسوط؟، وأي قوانين تلك التي تهدر دماء الشهداء مرتين؟، وكيف نصدر العفو السياسي ونغدق الأسباب الموجبة على حادث راح فيه خمسة شهداء بوفاة ملازم أول اليوم؟.
ودماء الخمسة هم مناصفة بين عسكر وقوى أمن، وضعوا أياديهم على زناد واحد، دافعوا عن مدينة واحدة ووطن واحد، بخلاف من يتنازع ويشطر قضيتهم اليوم إلى اثنتين، إلى مؤسستين وسياستين متعاديتين، إلى وزيرين وفرعين وجبهتين. ودماؤهم الأغلى هي أسمى من أي خلاف وأرفع من انشقاق وزير الدفاع عن قوى الأمن وشعبة، ومن حرب الداخلية على الخارجية، ومن اصطفاف الأزرق ضد البرتقالي.
وما على القطعات الأمنية والعسكرية، سوى الالتفات إلى عدو واحد عاد بعد غفوة، هدد بالأمس مدينة، وبإمكانه أن يهدد غدا كل الوطن، واتركوا متسعا للحزن على من رحلوا في ليلة عيد، حتى لا نقول إنكم سياسيون من الفئة التي لا تستحق شهداءها.
هو حادث إرهابي نعم، الفاعل مجهز بحزام عقلي وبكامل وعيه نعم، وللناس وذوي الشهداء كل الحق في أن يطرحوا التساؤل عن تساهل السلطة في منح الغفران سابقا تجاه العملاء لاسرائيل، ولاحقا مع المولوي ومن يعادله ارهابيا، واليوم بنزع العقل عن الجريمة الكاملة.