نصحو على حياد، نغدو على حياد، نصلي للحياد، ونتناول ليلا آخر وجبات الحياد. هي عبارة تتصدر عظة الأحد للأسبوع الثالث على التوالي، وتنتشر في مستنقع لبناني اختلف على حكمتها ومدى تطبيقها في بلد تسكنه ثلاث دول.
ولما وصف رئيس الحكومة حسان دياب من الديمان الحياد بالسياسي، رد عليه صاحب الرعاية البطريرك الراعي بأنه ليس سياسيا. فيما أدلت المرجعية الجعفرية بدلوها، فرأت أن الحياد بمنطق المسيح ومحمد يعني أن نقول للظالم أنت ظالم، وأن نقول لمن بذل وقاتل وحرر الأرض واستشهد من أجلها: شكرا لك.
وبموجبه فإن دياب سيس الحياد، الراعي أبعد عنه الشبهة السياسية. لبنان انقسم بين حزب الحياديين والمناهضين له، وكل يغني على حياده، إلى أن حط جبران باسيل في الديمان فأعاد ترسيم حدود الحياد، وخلط أوراقه بين لبنان وسوريا وفلسطين وصراعات المنطقة والأحلاف، دخل من احتلال الأرض إسرائيليا، وتوغل عميقا نحو خطر الإرهاب المنظم الآتي من الخارج، سحب ورقة ترسيم الحدود وعطفها على أزمة النازحين السوريين في لبنان مصحوبة بملف اللاجئين الفلسطينيين، فأخذ الجميع إلى حياد سيجلب لنا الفوضى، من دون أن يحدث صداما مع الكنيسة لا بل مالحها وتناول خبزها ودفع براعيها إلى إعادة التدقيق في حساباته الرعوية والسياسية.
باسيل مدعوا الى الديمان أم طالبا موعدا منها، لم يكن هذا هو المحتوى، على الرغم من تشديد مصادر الراعي على طلب باسيل اللقاء، وتأكيد باسيل على أنه مدعو إلى ضيافتها، وقبل أن يغادرها دعاها إلى التقييم لأن الحياد هو تموضع استراتيجي، وخيار إذا اتخذناه علينا أن نرى مدى ملائمته للواقع، داعيا إلى توفير المقومات الداخلية والخارجية والقناعة الوطنية، ومنع الاعتداء على لبنان، والحفاظ على قدرته في الدفاع عن نفسه، وهو لذلك سوف يتطلب توافقا، ولن يأتي الحياد بالفرض والنكاية.
ولم يكن هذا الكلام بعيدا عن قلب الكنيسة نفسها، إذ رأى المونسنيور كميل مبارك في حديث إلى “الجديد” أنه يوافق على طلب الحياد من أي جهة كان، لكنه سأل: هل هذا الطلب آني؟، هل نحن قادرون على أن نحقق ظروفه؟، وحياد عمن.. عن أي فريق؟.
وفي الحياد الإقليمي، فإن العراق يبدأ غدا كسر عزلة طال أمدها، فيزور رئيس حكومتها مصطفى الكاظمي السعودية غدا، قبل أن ينتقل في المرحلة المقبلة إلى ايران ثم واشنطن. وبحسب تصريحات عراقية، فإن الهدف من هذه الجولات تطوير العلاقة بين العراق ومحيطه العربي وجيرانه، وإحدى هذه الجيران هي إيران الدولة التي حط وزير خارجيتها محمد جواد ظريف اليوم في بغداد.