حللت أهلاً ووطئت سهلاً.. بابا السلام على أرض السلام المعفـّرة بالجراح. في البلد الصغير.. اللبنانيون كل اللبنانيين تجاوزوا خلافاتهم واختلافاتهم ونكدهم والتقوا جميعـًا على الترحيب بضيفهم الكبير في لحظة عزيزة وحـّدتهم تحت سقف رجاء واحد. في الوطن السائر على درب جلجلة السيد المسيح عليه السلام هـَبَّ الجميع لاستقبال البابا من المطار وطريقه إلى كل محطات زيارته التاريخية ثلاثية الأيام.
المناخ الاحتفالي بامتياز يتضافر في صنعه لبنان الرسمي والروحي والشعبي العابر للطوائف والمذاهب والانتماءات والألوان. الزيارة البابوية الرابعة للبنان منذ ستينيات القرن الماضي ليست حدثـًا عابرًا بل وصفةٌ روحية سحرية ليكتشف اللبنانيون أنفسـَهم في وطنٍ يبحث عن سلامه وتزداد حاجته إلى نفحة رجاء جديدة. هي أكثر من طقسٍ ديني وروحي.. إنها نفحةُ محبةٍ تضمـّد آلام اللبنانيين فينتبهوا أن وطنهم يختزن نبض الانبعاث مهما اثخنته الجراح.
على أرض المطار كانت الدولة في استقبال البابا وعلى طول الطريق الممتدة إلى بعبدا كانت الحشود الشعبية ترحب بالضيف الكبير رغم الطقس الماطر. وفي القصر الجمهوري التقى البابا بالرؤساء الثلاثة قبل أن يتوجه بكلمة أكد فيها أن شعب لبنان لا يستسلم بل ينتصر أمام الصعاب ويعرف كيف يولد من جديد لافتاً إلى أن صمود الشعب اللبناني في علامة مميزة لا يمكن الإستغناء عنها.
من ناحيته توجه الرئيس عون للبابا بالقول: أبلغوا العالم عنا أننا لن نموت ولن نرحل ولن نيأس ولن نستسلم.
وفي بادرة لافتة سلم رئيس مجلس النواب نبيه بري البابا خلال اللقاء الثنائي الذي جمعهما كتاباً تحت عنوان: على خطى يسوع المسيح في لبنان وهو يتناول حضور المسيح ومعجزاته الأولى في جنوب لبنان.
ويبقى السؤال هل يستثمر اللبنانيون هذه الزيارة المباركة في تعزيز حوارهم وتفاهمهم وتعاونهم؟ وهل يتلقفون رسالتها ويبنون عليها لترسيخ سلامهم الداخلي وسط منطقةٍ قلـِقة ومضطربة؟!. على ان هذين القلق والاضطراب منشأُهما عدوٌّ لا تستكين تهديداته واعتداءاته غيرَ عابئٍ بروحية وهيبة زيارة بابوية مباركة. أحدث هذه التهديدات تولـَّت تسويقه وسائل الاعلام العبرية التي لوحت بأن إسرائيل ستوسع من هجماتها في نهاية الشهر المقبل إذا لم تعمل الحكومة اللبنانية ضد حزب اللـ وهددت بأنها ستهاجم مناطق لم تصلها من قبل. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ شملت الحملة الإسرائيلية الجيش اللبناني وأداءه وكذلك اليونيفيل التي وصفها مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع بأنها قوةٌ مزعزِعة.
وعلى إيقاع هذه التهديدات يستقبل لبنان الاسبوع المقبل بعثة مجلس الأمن الدولي التي تضم خمسة عشر سفيرًا هم مندوبو الدول الأعضاء في المجلس.