يوم زار البابا يوحنا بولس الثاني لبنان عام 1997، كان الجنوبُ محتلاً من اسرائيل، وكانت البلاد بأسرِها تحت حكم الوصاية السورية، وكانت الطبقة الحاكمة تُمعن انبطاحاً وقمعاً وفساداً، وكان المسيحيون بالتحديد خارج الدولة: قادتُهم بين المنافي والسجون، وشبابُهم ملاحقون، وكفاءاتُهم خارج الوزارات والادارات، وقوانين الانتخاب مفصلة على قياس الاحزاب التي افتَرضت أنها انتصرت في الحرب.
استُقبل البابا القديس يومها بهبَّة شعبية، ملؤها الرسائل السياسية، ورسَم الارشاد الرسولي “رجاءٌ جديدٌ للبنان” الذي سُلِّم الى شابات لبنان وشبابه في حريصا، حداً فاصلاً بين مرحلة لبنان الساحة ومرحلة لبنان الرسالة، رسالة العيش الواحد بين المسيحيين والمسلمين.
وعام 2012 حلَّ البابا بنديكتس السادس عشر ضيفاً على وطن الارز: يومها كان لبنان حراً من الجيوش غير اللبنانية، لكنَّه كان واقعاً تحت تهديد الارهاب التكفيري المولود من رحم احداث الربيع العربي. حينها، أصدر الحبر الاعظم الإرشاد الرسولي “الكنيسة في الشرق الأوسط”، ودعا من لبنان إلى ثورة محبة ترفض العنف والكراهية في المنطقة.
اما اليوم، فاختار البابا لاون الرابع عشر لبنان عنواناً لزيارته الخارجية الاولى ذات البعد السياسي، بعد زيارة ايمانية الطابع الى تركيا، احتفالاً بذكرى الف وسبعمئة سنة على مجمع نيقيا، الذي اقرَّ قانون الايمان الذي يردده المؤمنون في القداديس “نؤمن بإله واحد”.
الاستقبال الشعبي في الوطن الذي عاد جنوبُه محتلاً، والذي تتهدده الاخطار يومياً من الشمال والشرق، كان عامراً وجامعاً. اما الاستقبل الرسمي، فكان لافتاً في الشكل والمضمون، حيث نوه الحبر الاعظم بصفة ﺗُﻤﯿّﺰ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿّﯿﻦ قائلاً: أﻧﺘﻢ ﺷﻌﺐ ﻻ ﯾﺴﺘﺴﻠﻢ، وﯾﻌﺮف داﺋﻤًﺎ أن ﯾُﻮﻟَﺪ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ.اﺳﺄﻟﻮا ﺗﺎرﯾﺨﻜﻢ واﺳﺄﻟﻮا أﻧﻔﺴﻜﻢ ﻣﻦ أﯾﻦ ﺗﺄﺗﻲ ھﺬه اﻟﻄّﺎﻗﺔ اﻟﮭﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﺮك ﺷﻌﺒﻜﻢ يبقى ﺑﻼ رﺟﺎء، فأﻧﺘﻢ ﺑﻠﺪ ﻣﺘﻨﻮّع، وﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻜﻮّﻧﺔٌ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻋﺎت، ﻟﻜنكم ﻣﻮﺣّﺪون ﺑﻠﻐﺔ واﺣﺪة هي ﻟﻐﺔ اﻟﺮّﺟﺎء، اﻟﺘﻲ ﺳﻤﺤﺖ ﻟﻜﻢ داﺋﻤًﺎ ﺑﺄن ﺗﺒﺪأوا ﻣﻦ ﺟﺪﯾد.
كثيرون يرددون اليوم ان الارشاد الرسولي لعام 1997 بقي حبراً على ورق، بشقيه الروحي والوطني. وكثيرون ايضاً يكادون لا يذكرون مضمون الارشاد الذي تسلموه عام 2012، في خضم التطورات والاحداث المتسارعة. فما عساه يكون مصير رسالة البابا لاون الرابع عشر اليوم؟ الجواب برسم المسؤولين السياسيين والروحيين، والمؤمنين كما عموم اللبنانيين.
