اللبنانيون الثائرون على مساحة الوطن احتجاجا على الأوضاع الحياتية والسياسية المزرية، ما عادوا هم الخبر ، فبقاؤهم في العراء ، تحت المطر والشمس طلبا للملبس والمأكل والدفء والعيش الكريم ، باتت تتمأسس و صار بين الناس والطرقات أكثر من صحبة وزمالة في ظل القلوب الحجرية التي يقابلهم بها من هم في سدة المسؤولية .
نعم بعد عشرين يوما من الصراخ والألم وقطع الطرقات ، تقابل الدولة مواطنيها بخطاب التخوين ، وبالسعي الى وضع شارع في مقابل شوارع ، وبالكلام المتعالي الذي يبطن استخفافا بوجعهم ، وصولا الى التلويح بالمخزون الميليشيوي الاستراتيجي الذي يحتفظ به بعض الأفرقاء المؤثرين ، أو بإلصاق تهمة تحريك الشارع ببعض الأحزاب بنية مكشوفة لاستدراج البلد الى العنف ولتبرير استخدام آلة القمع العسكرية والقانونية التي خبرناها في تسعينيات القرن الماضي.
كل هذا لأن أركان الفساد واعمدته بدأت تهتز ، وهذا يصنف في خانة تهديد الأمن القومي في منظور قوى الممانعة، هذا الوصف يبقى قاصرا عن نقل حقيقة ما يحاك في اروقة بعض الدولة ورعاتها ، وهو ليس نسج خيال ، إذ نشرت صحافة الممانعة بعض سيناريوهاته.
في المقابل ، الأمر الوحيد الذي أشر الى اهتمام خجول جدا بالخروج من الأزمة ، سجل في بيت الوسط حيث استقبل رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، وتباحثا بعد جفاء معلن في كيفية تشكيل الحكومة المقبلة ، لكن اللقاء كان أهم مما نتج عنه ، فما رشح منه أفاد بأن الرجلين بقيا على موقفيهما المعلنين : باسيل خارج الحكومة بحسب ما يريد الحريري ، يعني في نظر جبران أن لا مكان لسعد على رأس الحكومة العتيدة , وعند هذه النقطة توقف الرجلان عن البحث المباح .
الاستطلاع بالنار الذي أجراه باسيل في بيت الوسط حمل أكثر من رسالة للحريري ، لعل أهمها ، أن العهد وحلفاءه يريدون إفهام الحريري أنه لم يعد الخيار الأوحد ، وأنه إذا كان مهتما بالعودة الى سدة الرئاسة الثالثة عليه التزام المعايير التي تناسبهم لتأليف الحكومة الجديدة .
وسط المناورات المكشوفة ، المغيب الأكبر هي مطالب اللبنانيين المنتفضين ، فما سيحصلون عليه ، هو حكومة سياسية فضفاضة مزينة ببعض التكنوقراط التابعين، في الأثناء يبدو أن الحراك الشعبي سيتمدد من الشوارع الى مباغتة مقرات رسمية ومرافق تجارية وسياحية يعتبرها الثوار مصادر الفساد والتعثر الاقتصادي.

