لو كان زياد الرحباني بيننا اليوم وسئل عن رأيه باللبناني لربما اكتفى بالقول :”ابنك ذكي يا ثريا، بس…”
فاللبناني ذكي، ويعرف جيداً أنه يعيش في “فيلم أميركي طويل”، إذ لم تنتهي محاولات إخضاعه لتقبّل ما يُفرض عليه، سابقاً في اجتياحات واحتلالات وحروب، وراهناً بضغوط متصاعدة يحملها للمفارقة المبعوث الأميركي بشعار “العصا والجزرة”، فإمّا ان ينفّذ لبنان ما هو مطلوب منه وينزع السلاح من دون ضمانة تؤكد استعادة الأرض والأسرى وسيادة القرار، وإما أن يُترك لمصيره لإخضاعه بالتضييق والحصار وصولاً الى التجويع، تماماً كما يحصل في غزة، حيث وصل مستوى التحذير اليوم من مقتلة جماعية.
واللبناني ذكيٌّ كفاية، ليعرف ان بعض من في السلطة، يكرّرون مشاهد “سهرية” ويقطعون الطريق على الأفضل والأكفأ وحتى الأنظف القادر على الانتقال بالدولة من مسار هالك الى إنقاذ حتمي، وهكذا تُطبخ تعيينات وتُقرُّ خارج الآليات والأصول وبلا كفاءات. وهكذا قبل كل شيء يُنَصَّب رؤساء وتُشكَّل حكومات من دون ان تُجترَح حلولٌ لتحدّيات وأزمات ستحتاج قريباً الى معجزات.
يعرف اللبناني أيضاً، أن ما وُعد به من دولةٍ، قويةٍ، صاحبةِ قرارٍ وسلطةٍ على كامل أراضيها، ومواطَنةٍ قائمة على مبدأ العدالة والمساواة، ومؤسساتٍ شفّافة تكافح الفساد وقوانينَ إصلاحيةٍ تتتالى وتتزامن علّها تعالج فجوة الهدر وتعيدُ أموالاً مهرّبة وتكشف النقاب عن أخرى منهوبة، وتعيد هيكلة قطاع مصرفي ضروريٍّ للنهوض الاقتصادي وتحفظ حقّ المودع بجنى عمره، ليست إلا “شي فاشل”.
أصاب زياد الرحباني، عندما صارح ثريا بحقيقة ابنها. حاول ان يُنقذ شيئاً من وعيٍ مجتمعيٍّ . تحدّى اللبنانيين “بخصوص الكرامة والشعب العنيد” ورغم كل الواقع الصعب وحتى المأساوي الذي نقله بفكاهة نادرة الى المسرح، ترك “زياد” نافذة الخلاص مفتوحة، فـ “لولا فسحة الأمل”.
دعاهم الى “نزل السرور” علّهم يثورون ليحققوا التغيير، لكن ابناء ثريا ثاروا بعكس تيار التغيير، فأقصوا أصوات الحق وأصحاب القضية والموجوعين، وغطّوا سرقة العصر حتى صاروا جزءاً من منظومة تهدِم حيث نجح البناء وتَراكَمَ على فشلٍ سابق.
زياد الرحباني … قرأ الواقع ونقل الألم بجرأة كسرت القيود وبصراحة نزعت كل القفازات، وبصوت عالٍ وسخرية واعية أضحكت كثيراً وأبكت أكثر. ربّما توقّع ان يكون “اللي بيشرب قهوة كتير أوعى من هيك” لكنه على رغم الخيبة، “مش كافر”. فـ “الجوع كافر” يقول زياد الرحباني. فهل ينضمّ اللبنانيون الى كفره بظلمِ زعماء متسلّطين لم يرتقوا الى مستوى قادة التغيير، وهل يكفرون بمرض الطائفية لينتصروا للبنانيتهم قبل كل شيء؟ هل يكفرون بالفساد ليفرِضوا المحاسبة ويُغلقوا باب الافلات من العقاب؟ علّهم ينجحون يوماً ببناء دولة محصّنة دفاعياً وسيادياً، حتى لا يقضوا عمرَهم يسألون “بالنسبة لبكرا شو”.
زياد الرحباني رحل، لكن فكره ورؤيته هنا … علّ أبناء ثريا يتّعظون!
