يوما بعد يوم، يتأكد أن البلاد دخلت فترة سماح جديدة، تزامنا مع تواصل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ونظرا إلى فداحة الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية، إضافة إلى المسألة الصحية، وهو ما يفترض منطقيا أن ينعكس وعيا أكبر لدى القوى الداخلية، التي ستكون أول من يدفع الثمن في حال تأخر العلاج أكثر.
وفترة السماح هذه يستدل عليها من الآتي:
أولا، الغياب شبه الكامل للتحركات على الأرض، تزامنا مع تهدئة واضحة في التصعيد السياسي، ما خلا بعض التغريدات التي بات اللبنانيون لا يقرأون معظمها، و”العنتريات” التي لم يعد أحد “يقبضها جد”، فضلا عن الشائعات التي صارت “بايخة”، بفعل المضمون وكثرة التكرار.
ثانيا، الإحاطة الخارجية لعمل الحكومة، وهو ما يستشف من حركة السفراء من وإلى السرايا الحكومية، ولعل آخر ما سجل في هذا الإطار، اللقاء الذي جمع سفراء الدول المعنية بمؤتمر “سيدر”، والكلمات التي ألقيت في هذا السياق.
ثالثا، التفاتة الثقة من الداخل اللبناني إزاء الحكومة ورئيسها، اللذين يدرك الجميع أنهما لا يتحملان المسؤولية عن الوضع الذي نحن فيه، على رغم أن الجميع يحملهما مسؤولية الخروج منه. وفي هذا السياق، نال الرئيس حسان دياب اليوم جرعة دعم واضحة من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، الذي لفت في خطبة عيد الفطر إلى أن الحكومة تعمل على مكافحة الفساد، واستعادة المال المنهوب، معتبرا أن هذا عمل يسجل لها وتشكر عليه، وعلى ما تقوم به من مجهود لصالح الوطن والشعب، متمنيا لها ولرئيسها التوفيق والنجاح، للنهوض بلبنان، والخروج به من أزماته المحدقة. وتوجه دريان إلى دياب بالمباشر قائلا: دولة الرئيس، أنت مؤتمن على مصالح الناس، وأنت مسؤول عن قضاياهم وحل أزماتهم، إنهم يعلقون أملهم عليك، فلا تخيب الأمل، والأمر لا يحتمل التأخير.
رابعا، المجهود السياسي والأمني الذي يصب في إطار إزالة الألغام التي اعترضت أخيرا وضع قطار الخروج من الأزمة على السكة التي تم إصلاحها، وفق تعبير رئيس الحكومة في الكلمة التي ألقاها في مناسبة مرور مئة يوم على نيل الحكومة الثقة. وفي هذا الإطار، برزت الجهود لتوحيد الأرقام التي التبست بين الحكومة والجهات المحلية الأخرى المعنية بالشأن المالي، وفي هذا السياق أيضا، لفتت مساعي المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لإيجاد حل لمسألة المعابر والتهريب، مع بوادر إيجابية سجلت في هذا المجال.
خامسا، الاحتضان الكامل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للمسار الإنقاذي، والتكريس الدائم لموقع رئاسة الجمهورية الجامع، بكون رئيس الجمهورية بمقتضى الدستور، رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، الذي يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه.
فمن هنا كانت المواكبة اليومية لمشروع الإنقاذ الاقتصادي والمالي، ومن هنا التشديد الدائم أمام المرجعيات الدولية على دور النزوح السوري في بلوغ الوضع الاقتصادي إلى ما وصل إليه، ومن هنا أيضا، وقبل كل شيء، الحرص على الميثاق والدستور.
ورئيس الجمهورية الذي أجرى اليوم سلسلة اتصالات معايدة، من مفتي الجمهورية ورئيس الحكومة، إلى جانب رؤساء الحكومة السابقين، مصمم وفق معلومات الـ OTV، على إعطاء إشارة جديدة إلى وجوب التمسك بعمل المؤسسات، وتطبيق البيان الوزاري. وفي هذا الإطار، تشير المعلومات إلى اتجاه رئاسي لاستخدام الصلاحية المنصوص عنها في المادة 56 من الدستور، لناحية حق رئيس الجمهورية بالطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتخذها المجلس خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية، وذلك لوضع حد نهائي لما يثار حول ملف الكهرباء وقضية معمل سلعاتا، التي يصر البعض على إدخالها في البازار السياسي، على رغم أن خلفيتها علمية، وهدفها تأمين الكهرباء 24 على 24.
وبناء عليه، الانظار في الساعات المقبلة مجددا إلى بعبدا، لرصد حركة المشاورات، وفي الايام المقبلة نحو مجلس الوزراء، ثم الجلسة التشريعية الخميس، وما أدرج على جدول أعمالها من قوانين ملحة، كمثل قانون ال”كابيتال كونترول” الذي حصل تفاهم حوله بين “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل”، أو تلك التي تتعلق بمكافحة الفساد، أو القوانين الإشكالية، كمثل قانون العفو العام، الذي يطرح حوله ألف سؤال وسؤال.