كارثة المرفأ صار عمرها شهرين. أما مأساة لبنان، فعمرها من عمر المنظومة التي تشكلت بعد 13 تشرين الأول 1990، ونما جذعها في تربة الفساد، وتفرعت أغصانها في السياسة والإدارة وقطاعات المال والأعمال والإعلام.
كارثة المرفأ صار عمرها شهرين، لكن كشف حقيقتها مهما تأخر، لن يطول. فالقضية في عهدة المجلس العدلي، وأنظار كل لبنان تترقب النتائج المطلوبة سريعا، بلا تسرع، ومن دون تعمية أو لف ودوران.
أما مأساة لبنان، التي عمرها من عمر المنظومة، فدون كشف حقائقها عقبات كثيرة، تجاوزها يتطلب مقارعة المستحيل.
العقبة الأولى، الارتباطات الخارجية، الإقليمية والدولية، لمكونات المنظومة، والتي يزداد التعبير عنها وقاحة يوما بعد يوما، بعدما ظل سنوات طويلة في دائرة الخجل والخفر.
العقبة الثانية، الترابط العضوي بين مكونات المنظومة، بمصالح مشتبكة في العلن، لكن متشابكة في السر، والأسرار والفضائح والمفاجآت تحت هذا العنوان أكثر من أن تحصى أو تعد.
العقبة الثالثة، المغذيات الطائفية والمقويات المذهبية اليومية التي تتشربها جذور المنظومة، فتزهر خطوطا حمراء من هنا، وتنبت أعرافا مفروضة من هناك، وتنتج محصولا وافرا من نوايا الاستئثار بالدولة ومقدراتها وسلطتها، ولو كان الثمن إلغاء الآخرين وشطبهم كليا من المعادلة.
العقبة الرابعة، الذاتية المفرطة لدى بعض القوى والشخصيات السياسية. ففي الولايات المتحدة مثلا، يخوض كل من الحزبين الرئيسيين انتخابات تمهيدية داخلية لاختيار المرشح الرئاسي. وتخاض من ضمن كل حزب معركة انتخابية قاسية. لكن متى صدرت النتيجة، وحسم القرار، يلتف جميع المتنافسين حول المرشح الفائز، ويخوضون معه حملة موحدة لمصلحة المجموعة والبلاد. أما في لبنان، فحتى أبناء الصف الواحد يتفرقون في الأزمات، ويمتنعون عن الوحدة في الملمات، ولو حول الأساسيات. وما المعلومات المتداولة حول رفض “القوات اللبنانية” دعوة البطريرك الماروني للقاء جامع في بكركي، في زمن الثنائيات ونوادي رؤساء الحكومات، إلا خير مثال.
أما العقبة الخامسة والأخيرة، فنفس بعض اللبنانيين غير الطويل، أو ما اصطلح على تسميته بالذاكرة الضعيفة أو القصيرة. فلو كان الأمر عكس ذلك، كم كان درب التضليل وعرا، وطريق غسل الأدمغة ملغما بالحقائق.