في الذاكرة الجماعية للبنانيين، يرتبط 14 آذار بثلاثة تواريخ: الأول، 14 آذار 1978، تاريخ صدور القرار 425 عن مجلس الأمن الدولي، الذي طالب إسرائيل بالانسحاب غير المشروط من كامل الاراضي اللبنانية.
الثاني، 14 آذار 1989، تاريخ إعلان العماد ميشال عون أن الحرب الأهلية الدائرة في لبنان أصبحت حربا وطنية للتحرير، مطالبا بتطبيق القرار 425 الذي ينص على الانسحاب الاسرائيلي، والقرار 520 الذي يطالب بخروج سائر القوات غير اللبنانية.
الثالث، 14 آذار 2005، تاريخ التظاهرة الشعبية الضخمة التي شهدتها بيروت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكرد فعل على تظاهرة 8 آذار.
غير أن تلك الذاكرة الجماعية للبنانيين، وهي غير ضعيفة، على عكس ما يردد كثيرون، لا بد أنها تسجل أيضا أن مفاعيل 14 آذار 1978، لم تتحقق إلا عام 2000، حين خرج الاحتلال الاسرائيلي بفعل مقاومة اللبنانيين، وأن 14 آذار 1989 لم يثمر إلا عام 2005، إثر سنوات من القتال العسكري والنضال الشبابي والطالبي، وصولا إلى ظرف خارجي ملائم.
أما 14 آذار 2005، الذي رأى فيه كثيرون يومها منطلقا لحقيقة وحرية ووحدة وطنية، فما لبث بعض سياسيي مرحلة الوصاية الذين انتقلوا الى الضفة المقابلة، أن طمروا الحقيقة كحقائق تبعيتهم للمحتل، وأخفوا الحرية كما آلاف اللبنانيين خلال الحرب.
أما الوحدة الوطنية، فما لبثت أن تفجرت بين لبنانين: لبنان 8 آذار بتحالفات إقليمية ودولية معروفة، ولبنان 14 آذار 2005 بتحالفات إقليمية ودولية أخرى مكشوفة،…ولا يزال الانقسام يرخي بظله على المشهد الداخلي، مع تبدل الولاءات والتحالفات والتفاهمات، وباستثناء فريق واحد يتحدث الى اليوم عن محور واحد، هو محور لبنان.
لكن، في مقابل كل ما سبق، يبقى 14 آذار 2021 هو الأمل: أمل بيقظة ومراجعة ومصارحة، تقوم بها كل القوى السياسية اللبنانية،…تماما كما فعل “التيار الوطني الحر”. “فالتجربة، بانجازاتها وخيباتها، صقلت شخصية التيار ، وبلورت خياراته الكبرى في الحياة العامة”، على ما جاء في الورقة السياسية الصادرة عن مؤتمره العام اليوم، والتي اعتبرت أن “التيار عانى من إمساك منظومة سياسية – مالية بمفاصل الدولة والقرار، مستحوذة على الأكثرية ومتصرفة بها لتمنع التغيير والاصلاح”.
وقد عاش “التيار” إثر ذلك، كسائر اللبنانيين، وفق الورقة، “أزمة الإنهيار الكبير في المال والإقتصاد، وأزمة سقوط النظام، التي تدفع التيار الى مراجعة عميقة لخياراته وممارساته، لتفضي الى صوغ مقاربة مختلفة لهواجس اللبنانيين وحلول لمشاكلهم، وتؤسس لنظام جديد يبنى على أسس الصيغة والميثاق، ويستفيد من العثرات”.
ولنا عودة في سياق النشرة الى تفاصيل الورقة، التي تلاها النائب جبران باسيل، مع الإشارة الى أن رئيس التيار يطل مباشرة بعد هذه النشرة عبر “الاوتيفي” في حلقة حوارية من ثلاثة اقسام: الأول، حول شؤون التيار مع شباب وطلاب، والثاني حول مضمون الورقة السياسية، والثالث حول موقف التيار من التطورات السياسية الراهنة.
