IMLebanon

المختارة من الداخل: زعيم قيد الإعداد

TAYMOUR-JUMBLAT

 

كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:

رحلة النائب وليد جنبلاط لتسليم نجله تيمور رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي وزعامة المجتمع الدرزي مستمرّة. مرة تلوَ الأخرى، يتمّ تأجيل المؤتمر العام للحزب بحجة الظروف السياسية العامة، لكنّ السبب المضمر يكمن في الحاجة إلى تحضيرات إضافية تُسهم في الإعداد لمؤتمر يُفضي لإنتخاب تيمور رئيساً للحزب.يُعتبر تيمور لغاية اللحظة بمثابة مشروع زعيم للمختارة قيد الإعداد. لكن في الاشهر الاخيرة، كثّف جنبلاط جهوده العملية لتسليم نجله؛ وأبرز الأمثلة غيابه عن تقليد استقبالات أيام السبت في المختارة، وهو تقليد يُعتبر أحد مقوّمات العلاقة بين الزعامة الجنبلاطية وأبناء الشوف الموحّدين، وصار تيمور منذ نحو شهرين هو الذي يجلس على أريكة والده في رواق قصر المختارة، ويستقبل الوفود التي تقصدها كلّ يوم سبت لسؤال خاطر البك ولتعرض عليه تظلّماتها وحاجاتها من الدولة. وعادة لا يقل عدد قاصدي المختارة أيّام السبت الخمسة آلاف شخص، وهؤلاء أربع فئات يمثلون القاعدة الجنبلاطية الحزبية والشعبية:

وجهاء وأعيان من دساكر تقع في عمق منطقة الشوف، ليسوا اشتراكيين لكنّهم جنبلاطيون تحفل سماتهم بملامح وسلوك ريفي يمتاز بها المجتمع الدرزي. لا ينفكّ هؤلاء عن الذهاب لقصر المختارة كلّ سبت، وكلّ أسبوع يحملون أخبار لقائهم البك الى بيئتهم الاجتماعية في قراهم المتصفة بالمحافظة. واليهم، هناك صنف ثان هم أصحاب الحاجات والتظلمات على أنواعها.

الفئة الثالثة هم رؤساء بلديات ومخاتير المنطقة وموظفوها في الدولة. أما الصنف الرابع وهو الابرز لجهة تأكيد ملمح الولاء السياسي الدرزي للمختارة، فيضمّ وزراء ونواب الحزب التقدمي الاشتراكي، من النائب مروان حمادة الذي عادت علاقته بالمختارة بعد فتور مروراً بالوزير أكرم شهيب حتى الوزير وائل ابو فاعور المعتبر الاقرب الى تيمور. ويدلل هذا المشهد أنّ تيمور نال الطاعة السياسية الدرزية الرسمية.

وخلاصة القول إنه منذ شهرين تقريباً، اصبح تيمور هو سيّد تقليد استقبالات ايام السبوت، وبذلك اصبح على علاقة مباشرة مع عيّنات قاعدة الزعامة الجنبلاطية السياسية والشعبية؛ اما وليد بك فانسحب الى كليمنصو، وأخذ معه كتباً اختارها لقراءتها في هذا الموسم، وبات يضرب فيها مواعيده مع سفراء يزورونه بالعادة. وحتى كلبه «أوسكار» الذي بلغ التاسعة من سنيّه، وهو من فصيلة «لابرادور» المتصّفة بالشراسة بالدفاع عن صاحبها اصطحبه الى كليمنصو.

وفاجأ جنبلاط، مرة او اثنتين فقط منذ بدء فترة انقطاعه عن تصدّر تقليد استقبالات المختارة، الحاضرين، حيث شقّ طريقه بينهم الى حيث نجله وعانقه وسط تصفيق حاد، والتمعَت عدسات هواتف الخلوي. وبدا المشهد مقصوداً لجهة جعله يوحي تحت مرأى عيون عيّنات ممثلة للمجتمع الدرزي، بأنه جزء من إرهاصات «التسلّم والتسليم» الحاصلة بالتقسيط.

والى حدّ غير قليل، نجح جنبلاط في تذليل عقبات برزت بداية في وجه فكرته لتسليم نجله الزعامة ورئاسة الحزب. فحالياً، خفتت إلى حدّ بعيد اصوات معارضي التوريث التي ظهرت أول طرح الفكرة داخل الحزب، ويُقال إنها انحصَرت في بعض بيئات الاشتراكيين في الشويفات وبنسبة اقل في عاليه. ومعظم هؤلاء، ليسوا ضدّ التوريث، ولكن يشترطون مروره من خلال انتخابات جدّية في الحزب.

وعلى رغم إيحاء وليد جنبلاط أنه غير مهتم باعتراضاتهم، لكنه عملياً احتواهم، حيث تراجع عن خطته الاساسية التي كانت تقوم على ترشيح تيمور لانتخابات فرعية توصله لمجلس النواب ليبدأ من تحت قبّته، كما سامي الجميّل في الكتائب، مشوار الزعامة الجنبلاطية.

وبدلاً منها لجأ الى «الخطة ب» وفحواها أن يبدأ التسليم بمدخل إيصال تيمور الى رئاسة الحزب وذلك خلال عقد مؤتمره العام الذي يؤجّل المرة تلوَ الاخرى، في انتظار نضوج ظروف غرض عقده الأساسي، وهو: تيمور رئيساً للاشتراكي.

وداخل سيناريو إعداد تيمور للزعامة الجنبلاطية، يجرى «تكييف» كلّ من المستوى القيادي الوسطي في الحزب والمناخ النفسي والسياسي لدارة المختارة، على نحو يتلاءم مع فكرة تبديل رأس هرم الزعامة الجنبلاطية من الأب المجرّب والمحنك الى الابن طرّي التجربة والمحتاج للخبرة.

ويشهد الحزب حملة تغييرات في مراتبه الوسطية، والوافدون الجدد اليها هم شباب بعمر تيمور وخريجو جامعات تحاكي درجات التعليم العالي التي نالها الاخير من احدى جامعات الولايات المتحدة الاميركية.

وحتى داخل منظومة تفكير تيمور ذاته جرت ورشة تحولات أشرَف عليها وليد نفسه، والواضح أنها أتت أوكلها. ففي البداية رفض تيمور فكرة تزعّم طائفته، وعاند والده انطلاقاً من رغبته بالعيش في باريس او ضمن ثقافة اجتماعية مغايرة لكلّ قصة المختارة. حتى محيطون بوليد جنبلاط يئسوا للحظات من صلاحية الفكرة.

واعتبروا أنّ تيمور المتزوّج من سيدة شيعية والمنتسب لأمّ سنّية، قد لا يوحي بأنه الانسب لشدّ عَصّب التوحيديين الدروز. زد على ذلك أنه لا يملك «الكاريزما» الكافية، وجينات طبائعه لم تستنسخ صرامة والده الاجتماعية، فهو سلس وميال للحداثة وليس للتفكير المحافظ في نظرته لعلاقته مع البيئة التي عليه تزعّمها. على أنّ تيمور حالياً بدأ يقترب من ثقافة اجتماع زعامة المختارة حسب التحديدات التي تركها جدود المختارة لابنائهم.

واعتاد أخيراً على استدعاء فاعليات من الشوف الى قصر المختارة ليفاتحهم بمشكلات معيّنة في المنطقة، أو أن يزور قرى وبلدات شوفية وبرفقته طاقم عمله الضيّق ومسؤولو الحزب فيها. وكلّ هذه الأنشطة دليل على نجاحه في محاكاة سلوك والده المألوف في معقله الشوفي، ويعطي المؤشرات المطلوبة عن انطلاق مسار انتقال الزعامة منه لنجله.

فريق تيمور الضيّق

لقد أتمّ وليد بك نقل طاقم مطبخه الصغير الذي يساعده في ادارة زعامة الجبل الى نجله تيمور، وهو عبارة عن عدد محدَّد من الاشخاص، ابرزهم: هشام ناصر الدين مدير عام وزارة المهجرين سابقاً، ويساعد تيمور في ملفّ توظيف الدروز في الدولة وتقديم خبرته الكبيرة في قضايا الشوف والحزب الجارية.

ولا يغيب هشام عن ناظرَي تيمور كثيراً، حيث اختار له جنبلاط الأب الإقامة قريباً من المختارة في بلدة بطمة الشوف. أما ناصر زيدان فيلعب دور امين سر تيمور، حيث يواكب احاديثه مع مطالب الناس ومراجعيه من الحزب، عبر تسجيلها على دفتر صغير يلازمه. وزيدان ابن بلدة مرستي والحاصل على دكتوراه يعتبر قريباً من بيئة تيمور المتعلم.

المواصفات نفسها يتمتّع بها عضو طاقم عمل تيمور الضيّق الدكتور وليد صافي المقاتل السابق في الحزب وخريج السوربون بمنحة من وليد جنبلاط قدمها إليه بعد انتهاء الحرب الأهلية.

وكلاهما زيدان وصافي ينتميان إلى طفرة ارتفاع نسبة المتعلمين داخل المجتمع الدرزي خلال العقدين الماضيين. (من أصل 2000 ناخب مسجّلين في بلدة عماطور، 701 من بينهم حاصلون على ليسانس؛ وتدلل هذه النسبة العينية على أنّ نحو نصف الشباب الدرزي هو جامعي). وثمة وافد جديد للفريق، وهو شخص تقاعد أخيراً من سلك الدرك ويُعنى بالشؤون القروية.

ويلاحظ أنّ فريق عمل تيمور اللصيق به، عبارة عن «خلطة تقليدية وشبابية متعلمة وحزبية مخضرمة»، وتبدو اشبه بـ«وصفة» موفقة للمزج بين إرث قديم تحتاجه المختارة لاستمرار ثبات زعامتها، وتبدلات مستجدة تحتاجها لتثبيت عهد الزعيم الشاب، وتمليها ظروف المنطقة المتّجهة نحو تعميم عدوى شعار «الشعب يريد التغيير».

يشيع داخل الشوف أنّ عدد الدروز الذين شاركوا في تظاهرات الحراك المدني في ساحة الشهداء تجاوز العشرة آلاف شخص. ولكن في المقابل حينما دعت تنسيقيات الشوف في الحراك إلى التجمّع عند مستديرة بيت الدين لم يشارك سوى 200 درزي!

تردّ نخب درزية السبب الى أنّ المجتمع الدرزي مستمر في ثباته عند علاقته بالمختارة على رغم ما شهده أخيراً من تحوّلات اجتماعية (ارتفاع نسبة التعليم أبرزها).

وثمّة أسباب مركّبة وراء ذلك، منها: جمود التطوّر الاقتصادي المؤسساتي في الشوف؛ عدم وجود حيويات سياسية معارضة وازنة، وقليلها الموجود غير فعال (مثل «حزب الوجود» برئاسة ابن بلدة غريفة زيدان حرب، وحال جهاد ذبيان في مزرعة الشوف ورئيس بلديتها سابقاً، مع إعطاء علامة حضور نسبية للجاهلية حيث وئام وهاب).

ويركّز هؤلاء على استنتاج يؤكد ثبات قوة زعامة المختارة داخل المجتمع الدرزي، ويزعمون انه حتى المؤرخ امين معلوف لفته ذلك، بدليل انه استوحى من «الزعامة الجنبلاطية» في كتابه «صخرة طانيوس» (لا يوجد مستند لهذا الزعم).

والواقع أنّ قصر المختارة في مشهده الاخير، شهد توسّعاً معمارياً لافتاً، كان آخره اكتمال البناء عند طرف القصر الذي خصّصه وليد جنبلاط ليكون مسجداً. وجاء التوجّه لبنائه في إطار انحياز جنبلاط إلى الثورة الاسلامية في سوريا ضدّ نظام الاسد، وتعاظم خوفه من طفرة إسلامية متشدِّدة تسيطر على دول المشرق. ويلاحظ أنه رغم اكتمال البناء المفترض أنه مسجد، لكن لم تُبنَ لغاية الآن فوقه الشعائر الرمزية الاساسية كقبته او مآذنته.

وهذه إشارة في نظر الكثيرين الى أنّ البك قرّر التمهّل في إتمام بناء رموز المسجد الأساسية، ليرى كيف ستذهب احوال الحرب بين الاسلاميين والنظام في سوريا بعد التدخل الروسي.

ويلاحظ في هذه الفترة كثافة انتشار التسريبات الصادرة عن المختارة داخل مجتمع منطقة الشوف. ويتحدث أبرزها عن نتائج زيارة جنبلاط ونجله الى

السعودية، وإبراز دور الفرنسيين المهم في تعريبها وجعلها زيارة قمة بين الملك السعودي وسيد المختارة.

ويرد ضمن هذه الشائعة أنّ جنبلاط لا يُخطط للانسحاب من الحياة السياسية بعد توريث نجله، إنما يريد توقيت وصول تيمور للزعامة على الحزب والدروز، مع وصوله هو شخصياً لرئاسة مجلس الشيوخ الذي نال البك وعداً من باريس ومن ثمّ الرياض بدعم إنشائه.

وتضيف هذه الشائعات الواضح أنّ المختارة مصدرها ضمن لعبتها لتكييف الأجواء الشعبية مع خططها السياسية، أنّه على رغم ملاحظات جنبلاط القاسية على سياسة الرئيس فلاديمير بوتين السورية، إلّا أنّ روسيا لن تتخلّى عن علاقتها بالمختارة نظراً لكون سيدها حائزاً على أرفع وسام في الاتحاد السوفياتي، وهو أمر تعيره موسكو اهمية لدى تحديد خيارات علاقاتها الخارجية.

بلدة المختارة المليئة بشائعات ذات صلة بأنّ مستقبل دارتها الجنبلاطية مضمون داخل المعادلات المقبلة، تمّ قبل أسابيع قليلة تزويد مداخلها الاساسية ومفارق طرقها الحادة بإنارات صفراء تحتوي على أجهزة تصوير عالية التقنية. التفسير الرسمي الجنبلاطي هو أنها لرصد سلامة الطرق ومنع الحوادث، فيما الشائعات تقول إنّ قلق البك على أمنه لا يزال له احتمالات توجد داخل كنه ما تخبّئه المفارق السياسية الحادة التي تمرّ بها المنطقة.