IMLebanon

السرّ الذي فَجَّر التسوية 

sleiman-franjieh2

 

كتب جورج سولاج في صحيفة “الجمهورية”:

مَن كان ليتخيّل أن الرئيس سعد الحريري سيستبسل في ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. ومَن كان ليُصدِّق أن «حزب الله» سيرفض هذه الهدية، وسيقف سداً منيعاً في وجه حليفه؟

بعيداً مِن الزواريب الداخلية والحسابات الصغيرة التي حاصرت مشروع ترئيس فرنجية، وكمنت له عند كل مفترق وتقاطُع، وفخّخت كل مساعي تسويقه، حتى تمكّنت من تعطيله وترحيله، هناك أسباب استراتيجية أبعد من الساحة اللبنانية بدّدت الزلزال الذي صدَّع جدران الإصطفافات في قوى الثامن والرابع عشر من آذار.

في الواقع الجيوسياسي، رُبط لبنان بالنزاع الكبير على موازين القوى الدولية والإقليمية في المنطقة التي يُعاد رسم حدودها وخرائطها وأنظمتها بالصواريخ والقنابل والدم.

ولم يعُد من الممكن تحييد لبنان أو فصله عن المعارك الكبيرة التي يُنتظر أن تحدِّد مستقبل دول المنطقة وحصة كل فريق وحجم نفوذه فيها، خصوصاً وأن القوى اللبنانية الأساسية احتكمت منذ وقت بعيد إلى أصوات القذائف والإنفجارات في سوريا بدلاً من أصوات الناخبين في لبنان.

 

وأصبح من الثابت أن تأثير القوى الإقليمية على الأفرقاء اللبنانيين تجذّر عميقاً يوماً بعد يوم لألفِ سببٍ وسبب، وضيَّق هامش التحرّك الداخلي وقيَّد حريته إلى حدود بعيدة.

ولعل هذا ما يُفسِّر بلبلة الأربع وعشرين ساعة الأولى للمفاجأة – الزلزال التي أحدثها قرار الحريري ترشيح فرنجية وإن في شكل غير رسمي، ثم احتواء الصدمة وردّ «الهدية» إلى مُرسلها مع الشكر.

إن أي مشروع لانتخاب رئيس للجمهورية بات يحتاج إلى تسوية محلية أشمل، تبدأ بقانون انتخاب ولا تنتهي بالحصص والأحجام في الحكومة، وتوزيع الحقائب واختيار الوزراء، والثلث المعطّل أو الضامن، والبيان الوزاري والعناوين الخلافية الأساسية، كما بات معلوماً.

وإن أيّ تسوية محلية باتت تتطلّب اليوم تسوية إقليمية واسعة، من اليمن إلى العراق وسوريا والبحرين. غير أن مناخات التفاهم بين اللاعبين الدوليين والإقليميين لا تبدو أنها متوافرة الآن، وهذا ما أكده وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي نفى وجود أيّ صفقة أو تسوية مع طهران «ما دامت تنتهج سياساتها التوسعية وتدعم الإرهاب»، حسب تعبيره.

من هنا حُوصر مشروع الحريري – فرنجية الذي زرع بذوره النائب وليد جنبلاط والسفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل، من الأقربِين قبل الأبعدِين، تحت عنوان أساسي وهو أن التسوية لا يمكن أن تنطلق إلّا بتفاهمات إقليمية كبرى، وإن التشاطُر في شقّ الطرق المختصرة محلياً لن يؤدّي سوى إلى طريق مسدود.

الآن وبعدما هدأت العاصفة، بدأت مرحلة الإحتواء. يُحاول كل فريق إحصاء الأضرار والحدّ من الخسائر. «حزب الله» يسعى إلى ترميم ما تصدَّع بين حليفه العماد ميشال عون والنائب فرنجية، في مهمة ليست سهلة. وكذلك هناك مَن يُحاول إعادة إحياء ما تبقّى من «14 اذار»، وهي رميم.

إنتهت جولة، ولكن المعركة لم تنتهِ. غَسَلَ الرئيس نبيه برّي يديه من دمّ هذا المشروع، وتنصّل جنبلاط بإطلاق نار في الهواء على مَن «تسرَّع وحرَقَ الطبخة»، وبقي الحريري مُصرّاً على المتابعة، وجعجع حذراً من مفاجأة أخرى.

غداً يوم آخر.