IMLebanon

الحكم والحكمة والحكومة!

aoun-berri-salam-hariri

كتب  د.ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:

تحتاج إدارة الحكم في لبنان الى حكمة متناهية في هذه الظروف الاستثنائية والصعبة، على اعتبار ان التشابك بين المؤثرات الوطنية والمؤثرات الاقليمية مع مؤثرات السياق الدولي العام الذي يغلب عليه استرخاء الراحلين من الحكام وحماسة القادمين، كبير جدا، وتتعرض بعض الاستقلالية اللبنانية التي ظهرت في الآونة الأخيرة لهجمات مضادة تهدف الى تقويضها قبل ان تتنامى.

التسابق الذي حصل في زيارات التهنئة لرئيس الجمهورية خلال شهر منصرم من ولايته، كانت لافتة في توقيتها، وفي نوعية الزائرين، ومنها ما كان هدفه صادقا لدعم لبنان واستقراره وعودة الانتظام الدستوري اليه، ومنها ما كان للمزايدة والإحراج ويستقدم الضرر اكثر مما يأتي بالمنفعة، خصوصا وعلى سبيل المثال زيارة “مفتي سورية” الشيخ احمد بدر حسون الموالي للنظام الى قصر بعبدا الاربعاء الماضي، والتي جاءت في توقيت بالغ الحساسية، يشهد تباينات كبيرة بين الاطراف اللبنانيين حول ما يجري في حلب، وفي ذات الوقت تتعثر فيه عملية تشكيل الحكومة الجديدة.

رغم الإحراجات التي تواجه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع بداية عهده، خصوصا من جراء التباعد الكبير بين رؤية حلفائه، او الذين ايدوه في مجلس النواب يوم الانتخاب، ظهر الرئيس متماسكا، وواضحا الى حدود بعيدة في تصوير موقفه الرسمي من التحديات المخيفة التي تحيط بالمشهد اللبناني من جراء الانهيارات الهائلة في منظومة الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط برمتها.

وقد تعامل الرئيس بحكمة واضحة مع المتناقضات التي طرحت امامه، وأعلن جهارا: ان لبنان ليس تابعا لمحور ضد محور آخر، ولا يعتمد سياسة التبعية في علاقاته الخارجية، بل انه حريص على التواصل مع الجميع – لاسيما مع الاشقاء والأصدقاء الذين وقفوا معه في السابق – وهو يمارس استقلالا كاملا يكفل مراعاة مصالح كل اللبنانيين، ويضمن سيادة لبنان ضمن حدوده الدولية.

وقد بدا ان بعض الاطراف، كانت تريد من الرئيس عون اكثر مما اعلن، ومنها ما كان يراهن عليه كجزء من الاصطفافات المتقابلة بين دول المنطقة، لكن الرئيس الذي لا يتنكر لصداقاته السابقة وضع مجموعة من الثوابت لعهده الجديد، أوردها في خطاب القسم، لا يمكن له ان يتجاوزها.

ورئيس الجمهورية في لبنان هو حكم بين كل اللبنانيين، وهو حامي للدستور، ولا يمكن ان يكون الى جانب فريق ضد فريق آخر، او ان يستعيد تجارب انحيازية ماضية مؤلمة، كتجربة الرئيس اميل لحود، فالرئيس عون مختلف تماما من حيث المقومات الشخصية، ومن حيث الاحتضان الشعبي الذي يلتف حوله.

الاستقلالية والوسطية في لبنان مكلفتان، ولكنهما ضروريتان لتسيير شؤون الدولة المبنية على فسيفساء طائفية ومحورية غريبة، وتركيبتها لا تسمح بإطلاق المغامرات غير المحسوبة، ذلك ان تجارب الماضي أثبتت ان عوامل القوة – من حيث امتلاك العدد والسلاح والمال – غير كافية لتحقيق الانتصار في لبنان، والعناصر التي تؤدي الى التغيير – الداخلية منها والخارجية – معقدة جدا.

والرئيس عون يدرك اكثر من غيره هذه الحقائق، وهو يتصرف بحكمة بالغة للحفاظ على الاجتماع اللبناني.

ومن التقاه في المدة الأخيرة، لمس التغيير الهائل الذي حصل على ادائه، حيث اختلفت جذريا طريقة تعاطيه وإدارته للأمور بين الحقبة التي كان فيها رئيسا للتيار الوطني الحر وبين وضعيته الحالية كرئيس لكل لبنان.

الواقعية التي يتعاطى بها رئيس الجمهورية، ومعه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ستنعكس بطبيعة الحال على عملية تأليف الحكومة الجديدة، وسيتعرض الفريقان لضغوطات كبيرة هدفها إثبات الوجود – او احقية امتلاك زر الضوء الاخضر – الذي يعطي إشارة الإقلاع لمسيرة الحكم والحكومة، إلا ان نصف التفاؤل يؤشر الى استحالة امتلاك هذا الزر من طرف واحد، او ان يكون هذا الزر بكامله بأيد خارجية.