IMLebanon

أسئلة عن مغزى وتوقيت وارتدادات معركة “حزب الله”

كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:

انفجرتْ مع انطلاق معركة جرود عرسال التي يشنّها «حزب الله» بمؤازرة الجيش السوري وطيرانه الحربي مجموعةٌ من الأسئلة والهواجس والخلاصات حول دوافع هذه المواجهة ومغازيها وتوقيتها وارتداداتها على المستوى السياسي اللبناني، كما على صعيد مكانة «الدولة» ومدى إمساكها بزمام القرار في المسائل المفصلية، في لحظةٍ بالغة الحساسية في المنطقة التي تشهد عملية ترسيم نفوذ «بالحديد والنار» على أنقاض نظام إقليمي يترنّح على وقع حروبٍ في غير مكان.

وفيما كانت الوقائع الميدانية لمعركة الجرود (عند سلسلة جبال لبنان الشرقية) التي انطلقتْ بعيْد منتصف ليل الخميس – الجمعة وشهدتْ أولى مراحل التقدّم على الأرض فجر أمس تسجّل مواجهات عنيفة كانت تخفّ بين الحين والآخر لاعتباراتٍ ميدانية وأخرى تتّصل بالمفاوضات التي لم تنقطع مع المجموعات المسلّحة (ولا سيما جبهة النصرة) في محاولةٍ لإنهاء المواجهة عبر تفاهُم «بقوة النار» لضمان انسحابها الى ادلب وجرابلس، فإن التشظيات السياسية، ولو «المكتومة» لهذه المواجهة كانت تتطاير على جبهتيْن:

* خلفيات عملية «الإمام الصادق» التي اختار «حزب الله» توقيتها وفق أجنْدته الاستراتيجية، وتحديداً رغبته والنظام السوري بملاقاةِ «سباق الكبار» على الساحة السورية على حجْز مواقع نفوذ فيها بضمانِ إحكام القبضة على كامل الحدود السورية – اللبنانية التي تشكل تماساً مع «سورية المفيدة» وقفْل الثغرة الوحيدة في الشريط الممتدّ من العرقوب جنوباً وصولاً الى شمال لبنان. وهذه الثغرة تتمثّل في جرود عرسال ووجوب تطهير الأجزاء الشمالية الشرقية منها كما الجيوب المتبقية في جرد القلمون السوري وتحديداً في قارة والجراجير من المجموعات المسلّحة (النصرة وداعش وسرايا أهل الشام).

* والثانية تداعيات المعركة على «صورة» الدولة اللبنانية التي «تجرّعتْ»، لاعتباراتٍ تتّصل بضرورات حفظ مقومات التسوية السياسية كما بتسليمٍ واقعي بموازين القوى التي تميل لمصلحة «حزب الله»، قيام الأخير بعمليةٍ تحت عنوان «تحرير جرود عرسال المحتلّة»، بعدما كانت طوال الأعوام الأربعة الماضية رصدتْ من موقع «لا حول ولا قوة» تحوُّل الحزب «جيشاً عابراً للحدود.

وأبدتْ أوساط سياسية لبنانية عبر«الراي» قلقاً حيال ظهور «الدولة» بإزاء معركة عرسال وكأنّها سلّمتْ لـ «حزب الله» بـ «وظيفة» تحرير الأرض من الإرهاب بعدما كان انتزع سابقاً تسليماً بدوره بتحرير الأرض من الاحتلال الاسرائيلي، ملاحِظةً ان الجيش اللبناني الذي شكّل خطّ دفاعٍ عن عرسال المدينة وأهلها (نحو 40 ألفاً) والنازحين الذين تحتضنهم (نحو 90 ألفاً) ولا يتدخّل في المواجهة إلا لصدّ أي محاولة تسلّل من الارهابيين الى البلدة أو الردّ على أي استهداف لمواقعه، وُضع حيال هذه المعركة بين مطرقةِ عدم القدرة على خوضها منفرداً لئلا يُفسر الأمر انجراراً لأجندة الحزب وبين سندان أضرار الانخراط بمعركة مشتركة مع الحزب والجيش السوري.

كما توقّفتْ هذه الأوساط عند مفارقة أن الجيش السوري الذي خرج من لبنان من «الباب» عقب انتفاضة مارس 2005 بعد اعتباره «محتلاً»، يعود من «نافذة» محاربة الإرهاب كشريكٍ في «تحرير» أرض لبنانية ولو بغطاء ناري من طيرانه لقوات «حزب الله»، ملاحِظة تبلور أول ملامح عمليّة (لبنانياً) لمنطق «توحيد الميادين» الذي كان استخدمه «حزب الله» لتحذير إسرائيل من أي عدوان على لبنان.

ويُنتظر أن تخيّم هذه الأبعاد على زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لواشنطن التي يتوجّه إليها اليوم على أن يلتقي الرئيس دونالد ترامب الثلاثاء المقبل وسط تصعيد أميركي تصاعُدي بوجه ايران و«حزب الله» عبّر عن نفسه من خلال تقديم المشروع الرامي لفرض عقوبات جديدة على الحزب إلى الكونغرس وإعلان مدير «سي آي إي» مايك بومبيو أن إدارة ترامب تسعى لإيجاد تغييرات جذرية بكيفية التعامل مع طهران ومواجهة توسّعها بالمنطقة عبر «حزب الله» وميليشيات أخرى موالية لها.

وفي حين برز تشديد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس في تقرير وجهه لمجلس الأمن على ضرورة نزع سلاح «حزب الله» في لبنان، سادت المخاوف في بيروت من تفاعلات لمعركة عرسال بحال لم تُحسم سريعاً عسكرياً أو بتسليم المجموعات المسلّحة بأنها أمام مواجهة خاسرة، وسط قلق من إمكان استدراج الجيش الى صِدامات مع النازحين في مخيمات البلدة (رفعتْ الأعلام اللبنانية) بحال خروج أي مجموعات منها لاستهدافه، أو توريط المخيّمات الخارجة عن نطاق سيطرة الجيش والمنتشرة في بقعة فاصلة عن الجرود، وهو ما يمكن أن ينقل المعركة الى أبعاد مغايرة تماماً قد تترك ارتدادات على أكثر من صعيد.

وقد حرص الجيش يوم امس على الردّ على محاولة تقدّم إحدى المجموعات باتجاه مواقع له على تخوم بلدة عرسال، فيما استحدث ممرات آمنة لخروج النازحين من المخيمات في الجرود وسمح لمجموعة من النساء والاطفال بالدخول الى بلدة عرسال بإشراف الامم المتحدة.

وكانت جرود عرسال وامتدادها السوري (على مساحة نحو ألف كيلومتر) شهدتْ منذ الفجر عمليات واسعة من الجيش السوري و«حزب الله» بعدما بدأ الهجوم بغطاءٍ جوي من محورين، الاول من بلدة فليطا السورية باتجاه مواقع «النصرة» في جردها في القلمون الغربي، والثاني من جرود السلسلة الشرقية للبنان الواقعة جنوب جرود عرسال باتجاه مرتفعات عناصر «النصرة» شمال وشرق جرود عرسال، وسط معلومات متضاربة تحدّث بعضها عن سيطرة الحزب الذي سقط له 3 عناصر نهاراً (حسن سليم وياسر شمص وحسن حمود) على عدد من التلال في جرود عرسال مقابل تقدُّم الجيش السوري في جرد فليطا.