IMLebanon

محوران سُنّيان… ونظام إقليمي جديد

منذ نهايات عام 2013، وبداية 2014، وانطلاقاً ممّا آلت إليه الأزمة السورية، من الواضح أنّه تشكّلت محاور عربيّة – إقليمية، إسلامية سنّية، تتنازع زعامة العالم الإسلامي، وتُقدِّم أوراقَ اعتماد لدى الأميركيّين حول قدرتها على احتواء المشروع الإيراني في المنطقة ومواجهته.

منذ أن دعمَت السعودية الإطاحة بنظام الرئيس «الاخواني» محمد مرسي، بدا أنّها فقدَت الأمل من أيّ تغيير جدّي يصبّ في مصلحتها في سوريا. وخشية تمدّد «الفكر الاخواني» وشيوعه في العالمين العربي والإسلامي على حساب «النفوذ الوهابي»، قرَّرَت الرياض استعادة مصر، بصيغتها «المباركية».

والحال هذه، أصبحَت المنطقة العربية والإسلامية واقعة حُكماً، في مدار الانقسام الأخواني – السعودي، الذي عبَّر عن نفسه بثنائية تركيا وقطر – السعودية ومصر. وفي هذا المعنى أصبحنا أمام اصطفافٍ إسلامي سنّي يعكس نشوء محوَرين، مستندين إلى الفكرة الدينية، والمال، والإعلام، والقدرات البشرية.

لمصر خصوصيّة في هذا الاصطفاف، فهي اليوم أقربُ إلى الرياض منها إلى أنقرة، لأنّ الحكم الأردوغاني في تركيا وقَف موقفاً معادياً لثورة الشعب والعسكر ضدّ حلفائه من الاخوان المسلمين في القاهرة. لكنّ هذا لا يعني أنّ مستقبل العلاقة بين الدولتين سيظلّ قائماً على هذه المعادلة، إلّا إذا بقيَت تركيا محكومة ولفترةٍ طويلة من حزب «العدالة والتنمية» بزعامة رجَب طيّب أردوغان.

أمام الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي فرصة لكي تستعيد مصر دورَها الريادي المتوازن في الإقليم. الانحياز اليوم نحو الرياض أسبابُه معروفة ومفهومة من غالبيةِ مَن ينظرون إلى الدور المصري من منظار المصلحة القومية والتوازن الإقليمي.

عندما تستعيد مصر نفسَها ودورها ومكانتها، تُصبح قادرة على لعب أدوار أكثر استقلالية وموضوعية. والمساعدات المالية التي تتلقّاها اليوم على شكل منحٍ وقروض تصبح نوعاً من «الحقوق» حين تعود القاهرة أمَّ الدنيا والعرب معاً.

الاصطفاف المصري الراهن مفهوم، وقد جاءت الحرب العدوانية على قطاع غزّة، لتؤكّده، ولتعطي مادة إضافية لأصحاب نظرية «المحاور السنّية»، بغطاء ورضى أميركي لمواجهة «إيران الشيعية».

أتاحَ العدوان الإسرائيلي على غزّة اختبار حجم التغييرات التي طرأت على الإقليم منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزّة أواخر 2012. من الواضح أنّ «الفريق» الذي بدا واحداً ومتماسكاً في الحرب ضد سوريا، والذي يخوض حرباً قاسية ضدّ العملية السياسية في العراق منذ عشرة أعوام، والذي انفرَط عقده في 30 حزيران 2013 في مصر، يخوض حرباً داخل الحرب التي تخوضها إسرائيل على الفلسطينيّين في غزّة.

من هنا، يمكن فهم أسباب الموقف السعودي البارد، والموقف المصري المتحفّظ حيال حركة «حماس»، والموقف التركي المتناغم مع موقف قطر

و«حماس» في «مناقشة» المبادرة المصرية واعتبارها مدخلاً للبحث في إنهاء العدوان.

النزاع على تمثيل قضايا «الأمّة الإسلامية»، وفي طليعتها القضية الفلسطينية واضح ولا يحتاج إلى شواهد إضافية. ثمّة معركة بين الوهابية، والأخوان، وأخرى بين الدوحة والرياض، ومعركة بين الرياض وأنقرة، وحرب بين أنقرة والقاهرة.

حتى الآن لا يمكن الحديث عن تماسك هذه المحاور والقدرة على تعريفها بدقّة. لكنّها من خلال السياقات والأحداث تصبح واقعية وتدلّ على نفسها في أكثر من ملفّ وعلى أكثر من صعيد.

إيران لا تقف وتتفرَّج على المشهد الذي يرتسم، بل تشقّ طريقَها نحو البحر المتوسط، تقاتل المحورَين معاً في سوريا والعراق، وتُساند المحورين معاً في مقاومة العدوان على غزّة. علاقاتها الثنائية مع دول المحورين جيّدة نسبياً، باستثناء الرياض التي تسلك مسلكاً عدائياً مبنيّاً على الخوف تجاه طهران… وهذا مبحث آخر.

غداً عندما تنتهي الحرب، يمكننا قراءة ماذا حقَّق المحور السعودي – المصري، والمحور القطري – التركي في غزّة وانطلاقاً من القطاع. ويمكننا أيضاً الاطّلاع على حجم الحضور الإيراني في كلّ ما يحدث، وأيّ نظام إقليمي سيحكمنا في المرحلة المقبلة.