IMLebanon

داريا «أيقونة الثورة» ضحية التهجير

واشنطن: موسكو تشاركنا الرأي بشأن مصير الأسد

داريا «أيقونة الثورة» ضحية التهجير

بعد صمود 4 أعوام حصاراً وتجويعاً، وقصفاً تدميرياً بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والقنابل الحارقة، وصمود أسطوري لمدينة لم تمتلك سوى أسلحة متواضعة وإرادة قل نظيرها، ومعارك كر وفر تمكّن الثوار في بعضها من إذاقة النظام والميليشيات طعم الذل، ها هي أيقونة الثورة السلمية وشوكتها في خاصرة النظام قرب العاصمة دمشق، تصل إلى نهاية لا مفر منها.. داريا مُهجّرة، ليضاف عنوان جديد للتطهير المذهبي في سوريا أمام أنظار العالم.

قرابة الثانية والنصف من بعد ظهر أمس، خرجت الدفعة الأولى من المدنيين والمقاتلين من مدينة داريا المدمرة في إطار اتفاق يقضي بإخلاء المدينة التي طال حصارها وحافظت على رمزية خاصة لدى المعارضة السورية، خصوصاً أنه لم يكن في المدينة أي فصيل تابع لـ»النصرة» أو «داعش» وأن كل المجموعات فيها كانت تتبع الجيش السوري الحر، وهي كانت في طليعة حركة الاحتجاج ضد نظام بشار الأسد في آذار 2011. وكان المتظاهرون في داريا وقتها يوزعون الورود والمياه على عناصر قوات النظام تأكيداً على سلميتهم، لكن ذلك لم يمنع سقوط قتلى برصاص قوات النظام ولاحقاً بالقصف المدفعي، وكما في المدن السورية الأخرى تحولت الاحتجاجات بعد قمعها الى نزاع مسلح، لتخرج داريا منذ أربع سنوات عن سلطة النظام، وأصبحت من أولى البلدات التي فُرض عليها الحصار.

ورأى شاهد من وكالة «رويترز« ست حافلات تغادر المدينة. وأظهرت لقطات بثها تلفزيون النظام حافلات تتحرك بحذر وسط مجموعة كبيرة من الجنود في شوارع تتناثر الأنقاض على جوانبها. وأطل من نافذة إحدى الحافلات طفل لا يتجاوز عمره الخامسة.

وذكر تلفزيون النظام في ما بعد أن المجموعة الأولى وصلت إلى مركز إيواء في الحرجلة وهي ضاحية أخرى غربي دمشق. وقال ضابط برتبة لواء في قوات النظام في داريا إن نحو 300 من أسر المقاتلين تقرر أن تغادر البلدة أمس وإن نحو 700 مسلح و4000 مدني إجمالاً سيتم إجلاؤهم اليوم. وذكر بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني لجماعتي شهداء الإسلام وأجناد الشام أن المسلحين التابعين للجماعتين اللتين تندرجان تحت لواء الجيش الحر سيتوجهون إلى إدلب وهي معقل لمسلحي المعارضة في شمال غرب سوريا اليوم.

واظهرت صورة نشرها المجلس المحلي لمدينة داريا على صفحته على «فايسبوك« أحد الشبان وهو يقبل اسم داريا على أحد جدران المدينة.

وقال أحد مقاتلي الفصائل المعارضة في المدينة لوكالة «فرانس برس« عبر الهاتف من بيروت إن داريا تعيش اليوم «أصعب اللحظات». وقال يجمع سكان داريا «أغراضهم المتواضعة المتبقية، لتبقى معهم ذكرى لأربع سنوات من الحصار والجوع والقصف».

وأوضح المقاتل المعارض في المدينة أن قرار التوصل الى اتفاق مع الحكومة السورية على إخلاء المدينة «بعد صمود دام أربع سنوات يعود الى الوضع الإنساني المتدهور فيها والقصف المتواصل عليها، فكان لا بد من حماية المدنيين».

وأضاف «المدينة لم تعد صالحة للسكن، فقد باتت مدمرة تماماً« إذ كانت داريا تتعرض للقصف بعشرات البراميل المتفجرة يومياً، فضلاً عن القصف المدفعي والغارات الجوية، ما أسفر عن دمار هائل فيها.

وعند مدخل داريا الشمالي، كتب على أحد جدران الأبنية «داريا الحرة مع تحيات الجيش الحر».

وأكد مصدر عسكري من داخل داريا أن فصائل المقاومة السورية داخل البلدة المحاصرة منذ 4 سنوات توصلت إلى اتفاق هدنة مع قوات النظام الخميس. وقال المصدر لموقع «زمان الوصل» إن فقدان مقومات الصمود لنحو 10 آلاف مدني و»الخذلان»، دفع عناصر المقاومة إلى التفاوض مع النظام الذي صعّد من هجماته على البلدة أخيراً وأحرق مشفى المدينة بقنابل «النابالم» المحرمة دولياً، ما زاد الوضع الطبي سوءاً ورفع من عدد الوفيات بين الجرحى.

وقال المصدر، إنه «نتيجة القصف الهستيري لقوات النظام جواً وبراً وزحفاً بالمدرعات المصفحة واتباع سياسة دبيب النمل والقضم البطيء للكتل السكانية وتصاعد صيحات المدنيين داخل داريا وضغط الجرحى وبكاء الأطفال والنساء والشيوخ تدخلت لجنة مفاوضات المعضمية مع قيادات ثوار داريا، وترجت لجنة المعضمية قيادات الثوار بتفويض لجنة مفاوضات داريا معاودة الاتصال بالنظام من أجل حل وسط يرضى الطرفين لإخراج المدنيين والمسلحين من المدينة«.

وأوضح أن فصائل المقاومة في داريا وافقت «مضطرة» بعد ثقتها بأن أصوات من في البلدة المحاصرة لن تصل إلى خارج أسوار داريا ولن يسارع أحد إلى نجدتهم.

وذكر أن الأسبوع الماضي شهد ـ تحت وطأة الضربات الجوية للنظام ـ جولات عدة من المفاوضات السرية قامت بها لجنة المعضمية، ما أفضى إلى جولة من المفاوضات العلنية والتي دارت وجهاً لوجه أول من أمس بين الطرفين وكان نتيجتها الاتفاق على تفريغ المدينة بعد وقف إطلاق النار نهائياً اعتباراً من منتصف ليل 25 آب بين الطرفين.

ونص الاتفاق على إخراج كافة المدنيين إلى المناطق التي تحدد لهم في صحنايا برفقة قوات الأمن والجيش ويبقوا كرهائن لمدة لا تزيد عن 24 ساعة ريثما يغادر عناصر المقاومة، وإلاّ يتم قتلهم جميعاً (المدنيين) من قبل النظام إذا لم يخرج المقاتلون خلال 24 ساعة.

واشترط الاتفاق على عناصر المقاومة أن يتركوا السلاح الثقيل في أماكنه ضمن داريا، ليخرجوا بسلاحهم الخفيف إلى أماكن تخصص لهم لنقلهم ضمن حافلات ستقلهم إلى مدينة إدلب.

وشكلت مأساة المدنيين في داريا والمناطق المحاصرة الأخرى مصدر قلق منذ فترة طويلة للأمم المتحدة التي قالت إنه منذ سنة 2012 وصلت شحنة واحدة فقط من المساعدات إلى المنطقة، وذلك في شهر حزيران الماضي.

وكانت داريا قبل الحرب تُعد نحو 80 ألف نسمة، لكن هذا العدد انخفض 90 في المئة حيث واجه السكان طوال سنوات الحصار نقصاً حاداً في الموارد. 

وتبعد داريا نحو عشرة كيلومترات جنوب غرب العاصمة. وهي أيضاً مجاورة لمطار المزة العسكري، حيث سجن المزة الشهير ومركز المخابرات الجوية.

وحضرت داريا عنواناً في جنيف أمس، حيث سعى وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف في مفاوضات طويلة وشاقة إلى وضع التفاصيل النهائية لاتفاق تعاون بشأن محاربة «داعش» في سوريا. وعبر مبعوث المنظمة الدولية الخاص للسلام في سوريا ستافان دي ميستورا ومنسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين، عن قلقهما العميق من الخطة. وقال دي ميستورا في بيان بعد عقد محادثات مع كيري ولافروف «من الضروري حماية الناس في داريا خلال تنفيذ أي عملية إخلاء وأن يتم ذلك طوعاً«. 

وقال أوبراين في تصريحات بالبريد الإلكتروني لـ»رويترز«: «نواصل المطالبة بالوصول إلى داريا بحرية وأمان وندعو جميع الأطراف لضمان أن يكون أي تحرك للمدنيين آمناً وطوعياً ويتماشى مع المبادئ والقوانين الإنسانية الدولية«.

وانضم مسؤولون كبار من البيت الأبيض وتحديداً من مجلس الأمن القومي للمحادثات الماراتونية بين كيري ولافروف.

وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية مع بداية المحادثات «هناك قضايا كثيرة بحاجة إلى تسوية«. وتابع قوله «نأمل أن نرى حلاً لبعض منها على الأقل وأن نتمكن من المضي قدماً بهذه الخطة… لكننا نعي التحديات«.

ورداً على سؤال خلال استراحة عن رأيه في سير الاجتماع، قال لافروف «ممتاز». 

وفي واشنطن، أعلن البيت الأبيض أن روسيا تشاطر الولايات المتحدة الرأي بشأن مصير بشار الأسد. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إيرنست، في تصريح صحافي فجر أمس إنه «ليس من الممكن، من الناحية العملية، بالنسبة له (الأسد) الاستمرار بإدارة شؤون البلاد«. وأضاف إيرنست أن «روسيا تشاركنا الرأي في تقويمنا لمصير الأسد، ومستقبل سوريا«.

وعن المحادثات الأميركية – الروسية، ذكر أن «واشنطن حثت موسكو على استخدام نفوذها للضغط على الحكومة السورية للوفاء بالالتزاماتها، بموجب اتفاق وقف الأعمال العدائية، والاستمرار بمحادثات السلام الدولية، وصولاً لتحقيق الانتقال السياسي السلمي الذي اعترف الروس بأهميته الكبيرة«.

وفي مؤتمر صحافي في ختام محادثات ماراثونية بين الوزيرين الأميركي والروسي في جنيف، قال كيري إن حلب تواجه هجوماً همجياً من قوات الأسد وحلفائه. وأوضح إن الولايات المتحدة وروسيا «تمكنتا من توضيح» المسار باتجاه وقف لإطلاق النار في سوريا، لكن لا يزال يتعين حل التفاصيل التقنية.

وقال لافروف أنه «يجب وضع اللمسات الأخيرة على بعض العناصر». ورأى أن الأكراد لا بد من بقائهم جزءا من الدولة السورية وجزءا من الحل»، وقال إن المحادثات مع كيري كانت إيجابية.

وستستمر المحادثات بين الطرفين من طريق الخبراء.