IMLebanon

أميركا رفعت نظرياً العقوبات عن إيران لكن الحصار قائم

أدّى تخفيف العقوبات على ايران الى زيادة انتاج النفط واعادة مليارات الدولارات من الاصول. كما ساهم خفض الجزاءات، الى حد بعيد، في تيسير المعاملات المالية والتجارية.

بعد رفع الحظر عن الجمهورية الاسلامية عقب الاتفاق النووي، ارتفع انتاج النفط من ٢،٩ مليون برميل يوميًا الى ٣،٨ مليون برميل. وتوقّع وزير النفط الايراني ان يصل الانتاج الى ٤ ملايين برميل بحلول العام ٢٠١٧. وشجعت عملية رفع العقوبات المستثمرين الاجانب.

واللافت ان العديد من المستثمرين الاجانب زاروا ايران قبل عملية توقيع الاتفاق النووي، اذ ان اكثر من ١٤٠ وفدًا اقتصاديًا من ٤٨ دولة سافروا الى طهران في الفترة ما بين آذار وكانون الاول في العام ٢٠١٥. وحسب المعلومات، وقّعت طهران عقودًا بقيمة ٤٣ مليارد دولار مع شركات فرنسية وايطالية وتتعامل حاليًا

مع شركة تصنيع الطائرات الاوروبية اير باص لتسلم اكثر من ١٠٠ طائرة تجارية.

لكن، وعلى ما يبدو، فان الاتفاق النووي لم يتغير بشكل جوهري والشركات الاميركية لا تزال ممنوعة عمومًا من التعامل التجاري مع ايران بسبب العقوبات وانتهاكات حقوق الانسان ودعم الارهاب وبرامج الصواريخ الباليستية.

رغم هذا التطور والحماسة في الامكانات الاقتصادية لايران، فإن الشركات الاجنبية ما زالت تواجه مخاطر جدية، بالاضافة الى صعوبة تسيير الاعمال، سيما وان ايران تعدّ الدولة ١١٨ بين ١٨٩ بلدًا من حيث مؤشر سهولة ممارسة الاعمال وتحتل الرقم ١٣٦ من بين ١٧٥ دولة في منظمة الشفافية الدولية ومؤشر مفاهيم الفساد.

يبدو ان اقتصاد ايران ينتعش وان كان ببطئ. وبعد الاتفاق النووي التاريخي مع الدول الست الكبرى في العالم، حصلت تغييرات ملموسة وعشرات الصفقات التجارية وقّعت منذ رفع العقوبات. ولكن الشركات الدولية لا تزال مترددة في القيام بأعمال مع احدى اكبر اقتصادات المنطقة والسبب يعود الى انعدام الشفافية وقضايا اخرى تجعل البيئة الايرانية تشكل تحديًا كبيرًا للمستثمرين. مع العلم ان تخفيف الجزاءات أدّى الى زيادة انتاج النفط رغم انخفاض اسعاره الامر الذي وضعها على خلاف مع دول اوبك المنتجة.

والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا يعني رفع العقوبات عن ايران؟ والجواب قد يكون واضحًا للمحللين الاقتصاديين من خلال النقاط التالية:

• رفع الجزاءات يعني زيادة انتاج الطاقة وزيادة ايرادات ايران من الصادرات النفطية بمقدار حوالي ١٠ مليار جنيه استرليني.

• البنك المركزي الايراني يقول ان رفع العقوبات المصرفية سيسمح بزيادة ٣٠ مليار دولار من احتياطي العملات الاجنبية المجمدة حاليًا في جميع انحاء العالم (وزارة الخزانة الاميركية تقول ان هذا الرقم هو ٥٠ مليار دولار).

• زادت العقوبات تكلفة التجارة مع ايران بنسب ١٥ بالمائة مما يعني ان رفع هذه العقوبات سوف يوفر على ايران ١٥ مليار دولار.

انما وعلى ما يبدو ان اكبر عائق في المستقبل قد تكون المصارف وبالرغم من ان ايران سوف تعيد تواصلها مع النظام المالي العالمي لم يتضح بعد عدد المصارف المشاركة مجددًا مع ايران سيما وان الامر يتعلق مباشرة مع القضاء والمالية الاميركية والتي فرضت عقوبات ثقيلة على حوالي عشرين مصرفا اوروبيا لتجاوزهم العقوبات المفروضة على ايران والسودان وكوبا.

وخلال السنوات العشر الاخيرة دفعت هذه المصارف ما يساوي حوالي ١٤ مليار دولار اميركي في شكل غرامات او تسويات خارج المحكمة. ووحده بنك BNP Paribas الفرنسي دفع ما يساوي ٩ مليارات دولار. كذلك قدمت بنوك بريطانية التزامات لاميركا بعدم زيادة تعاونها مع ايران.

كذلك قادة الاعمال الالمان والبريطانيون يقولون انهم طلبوا من وزارة الخزانة الاميركية ان تعطيهم الضوء الاخضر لتأمين التعاطي والطلبات ذات الصلة مع عملائهم الاوروبيين.

والامر مبدئي ومهم لا سيما اذا لم تستطع المصارف الكبرى ان توفر كميات كبيرة من الرساميل لتأمين تمويل مشاريع كبيرة في ايران مثل اصلاح نظام السكك الحديدية من قبل شركة سيمنز او شراء طائرات الركاب الكبيرة من ايرباص.

هذه الامور معقدة فعليًا. كذلك هناك امور قانونية لا تقل تعقيدًا. لا سيما وان الولايات المتحدة رفعت ما يسمى العقوبات الثانوية والتي تطبّق على الأشخاص أو الشركات غير الأميركية، أما «الاولية» فستظل تُطبق على مواطنيها وشركاتها وتمنعهم من الانخراط في العمل مع ايران.

هناك العديد من الشركات ما زالت تنتظر مبادئ توجيهية مفصلة من الخزانة الاميركية ومكتب مراقبة الاصول المالية التابع لها قبل القيام بعمليات تجارية مع ايران. وقد تكون العقوبات مع ايران هي جزء من المشكلة انما تشكل عاملًا مهمًا في تحفيز الاستثمار والتنمية في القطاعات الايرانية المختلفة.

وحسبما صدر الاثنين الماضي فان ايران ما زالت تواصل الامتثال لاحكام الاتفاق النووي، مع العلم ان الولايات المتحدة ما زالت تدرس فرض عقوبات اضافية على الكيانات الايرانية لاستهداف برنامج الصواريخ الباليستية ورعايته الارهاب (حسب الخارجية الاميركية) وتود اميركا استخدام استراتجية معالجة مجمل سلوك ايران وليس فقط التركيز على صفقة نووية.

وقال المسؤولون ان الولايات المتحدة وحلفاءها الاوروبيين يريدون العمل معا لتفسير الاتفاق، وان يكونوا اكثر صرامة في متابعته على الرغم من ان ذلك لا يقع فقط على عاتق الولايات المتحدة وحلفائها الاوروبيين لكن ايضًا على الصين وروسيا معًا.

وقال وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في وقت سابق ان ايران تلقت اشارات متناقضة من ترامب. أضاف ظريف ان الامر عن امتثال ايران هو ابيض واسود. وتساءل عما اذا كانت السلطات الاميركية تماطل سعيًا لابقاء الشركات العالمية خارج اسواق ايران قائلًا ان العداء الاميركي لايران لم ينته بعد.

هكذا نرى اليوم أن تطور العقوبات على ايران ما زال في خضم الاخذ والرد، ويبدو أن اميركا غير مستعدة لانهاء العقوبات الاولية والسماح للشركات الاميركية بالدخول الى اسواق ايران. والامر الاكيد ان اسبابا سياسية تقف وراء هذا الموقف، وهي تهدف وفق الاجندة الاميركية الى شل العمل مع طهران وابقاء العقوبات عليها ومنعها من التعاطي المثالي مع دول العالم.