IMLebanon

عهد عون يبدأ في حزيران ﻻ في تشرين!

ثمّة توقعات باندﻻع حرب «داحس والغبراء» لتشكيل الحكومة الحريرية اﻷولى. لكنّ «الجهاد اﻷكبر» الذي لوَّح الرئيس نبيه بري بخوض غماره بعد انتخاب العماد ميشال عون يوحي بأنّ ما ينتظر العهد وحكومته أكبر من ذلك وأبعد مدى.

كلّ الماكينات «شغّالة» لمعرفة ما ستؤول إليه التوازنات السياسية في عهد العماد عون. وواضح أنّ هناك تسليماً في داخل فريق 14 آذار بأنّ زمام اﻷمور ليس في يدها. وفي التوازنات الكبرى، من البديهي أن يسأل السعوديون حلفاءَهم عن الدور الذي سيبقى لهم في هذا العهد.

ويخشى بعض القريبين من الرئيس سعد الحريري أن تطول معاناته في تشكيل حكومة العهد اﻷولى حتى 5 أشهر أو 6، مستندين إلى الكلام الذي صدر عن الرئيس بري أخيراً.

لكنّ آخرين يبدون أكثر تفاؤلاً، على غرار الدكتور سمير جعجع، إذ يؤكدون أنّ «الطبخة» التي جاءت بثنائية عون- الحريري إلى الحكم تشمل أيضاً ضمانات بإنجاز التشكيلة الحكومية ضمن مهلة زمنية ﻻ تتجاوز الشهرين، أي قبل نهاية العام الجاري.

وفي تقدير المطّلعين أنّ تلويح بري باﻷشهر الخمسة أو الستة للتأليف إنما يأتي من باب رفع السقف السياسي، وقد يتمّ تجاوز هذا التصعيد بمسعى من «حزب الله»، فيجري تأليف الحكومة الحريرية اﻷولى من دون الكثير من وجع الرأس، ليس فقط لعدم إحراق الحريري بل أيضاً لعدم إحراق العهد من بدايته، ما يثير حساسية عون.

الذين يوردون هذه الفرضية يقولون إنّ حكومة العهد اﻷولى هي عملياً حكومة التحضير ﻹجراء اﻻنتخابات النيابية في ربيع 2017. وليس في برنامج هذه الحكومة أن تتولّى مهمات سياسية أخرى.

لذلك، سيعتبر «الثنائي الشيعي» أن تأليف الحكومة وتركيبتها تحددهما النظرة إلى اﻻنتخابات النيابية. وعملياً، سيبدأ عهد عون في مطلع الصيف المقبل، مع المجلس النيابي الجديد والحكومة التي ستنشأ بعد انتخابه، لسببين:

1- ﻷنّ عون يكون خلال اﻷشهر السبعة اﻷولى من العهد قد رسم تماماً نهجه وأدرك حدود اللعبة التي يستطيع السير فيها.

2- ﻷنّ الوقت المتاح للعهد والحكومة والمجلس بعد انتخابات الربيع المقبل سيكون طويلاً وكافياً لعملية «تعايش» بين السلطتين التنفيذية والتشريعة وأركان الثلاثي الموجود في السلطة.

المتفائلون بوﻻدة الحكومة اﻷولى باكراً يقولون: ليس في الطوائف غير المسيحية حالياً ما يثير المتاعب في التشكيل. فعلى المستوى الشيعي، اﻷمور محسومة. وعلى الصعيد السنّي، لن تتبدل الحصص الحريرية الحالية. وكذلك الحال عند الدروز.

ولكن، ربما يكون هناك تنافس حادّ على المستوى المسيحي. فقد كان رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان يحظى بحصة من 3 وزراء في حكومة الرئيس تمام سلام المؤلفة من 24، أحدهم غير مسيحي. وشارك العماد عون بوزيرين محسوبين مباشرة عليه هما جبران باسيل والياس بوصعب، ومعهم أرتور نظريان وزير الطاشناق المنضوي في «تكتل التغيير واﻹصلاح».

اليوم، رئيس الجمهورية سيكون هو نفسه رئيس «التكتل». فهل يكون تمثيل عون بخمسة مقاعد على اﻷقل، من أصل الوزراء المسيحيين الـ12 في حكومة الـ24؟ وهل جرى التفاهم مع «القوات اللبنانية» في هذا الشأن؟

في الموازاة، كان حزب الكتائب يشارك بوزيرين هما سجعان قزي وآﻻن حكيم، إضافة إلى رمزي جريج القريب من الحزب. وجاءت هذه المشاركة بمثابة تعويض لعدم مشاركة «القوات».

وفي الحكومة العتيدة، هناك اتجاه لدى «القوات» بالمشارَكة، وبتمثيل وازن، كجزء من المكافأة التي تستحقها، بدعم من حليفها «التيار» بسبب موقفها الذي سهّل انتخاب عون.

لذلك، قد تطالب «القوات» بأن تتمثل بوزيرين أو ثلاثة، في ظلّ التفاهم الذي يتردّد أنه قد حصل مع عون، والقاضي بتولّيها وزارات سيادية، وهي المرّة اﻷولى في تاريخها.

في هذه الحال، ستطالب «القوات» بأخذ هذه الحصة، أو استردادها، من الكتائب، فيما الرئيس نبيه بري و»حزب الله» لن يقبلا بدور هامشي للنائب سليمان فرنجية في الحكومة، وهو الحليف الذي جرى تجاوزه للتوّ في معركة رئاسة الجمهورية. فإذا تمّ إرضاء عون بالرئاسة، فلا بدّ من إرضاء فرنجيه بحصص وافية في الحكومة وفي الانتخابات النيابية المقبلة. ويبقى هامش لتمثيل المستقلين من المسيحيين.

قد يتوافق المسيحيون على المقاسمة، بتدخل الطوائف اﻷخرى طبعاً، وقد يتمثلون بقواهم الأساسية جميعاً، وقد يبقى البعض في وضعية المقاطعة إذا لم يقتنع بما يُتاح له من حصص ومواقع.

ولكن، في أيّ حال، لن يعوق التنافس المسيحي قيام حكومة الحريري اﻷولى، إذا كان هناك ضوء أخضر لذلك. فهل تصحّ هذه المقولة ويتمّ تسهيل قيام الحكومة الحريرية اﻷولى، ما دامت مدة حكمها لن تتجاوز النصف عام (بين كانون اﻷول وحزيران)، وما دامت مهمتها ستقتصر على التحضير للانتخابات النيابية؟

يجدر التذكير أوﻻً بأنّ المجلس النيابي الحالي سيشهد تحريكاً استثنائياً لأنشطته المجمدة منذ العام 2014. ولذلك، ستكون هناك فرصة لمقايضة بين ما ستنتجه السلطة التنفيذية بتلك التي ستنتجها السلطة التشريعية.

على اﻷرجح، سيكون ملف اﻻنتخابات النيابية هو الحاسم في اتخاذ قرار بوﻻدة الحكومة الجديدة. وقد يعتمد «الثنائي الشيعي» معادلة هي اﻵتية: في الفترة الفاصلة عن موعد اﻻنتخابات النيابية، يمكن اعتماد واحد من سيناريوهات ثلاثة:

– بقاء الحريري رئيساً مكلَّفاً تأليف الحكومة فيما تبقى حكومة سلام هي التي تصرِّف اﻷعمال. وفي هذه الحال، هي التي تتولّى التحضير للانتخابات النيابية.

– تأليف الحريري حكومته، لكنها تعاني أزمة في الحصول على ثقة المجلس النيابي، ما يجعلها حكومة تصريف اﻷعمال حتى اﻻنتخابات. وفي أيّ حال، هي تتولّى مهمة التحضير للانتخابات.

– تأليف الحريري حكومة تنال الثقة. وهي في ذلك تكون قادرة على التحضير للانتخابات وإدارتها بقوة، نظراً إلى الرصيد الذي تتمتع به.

وهكذا، سيكون ملف اﻻنتخابات النيابية جزءاً من المقايضة المنتظرة مع ملف تأليف الحكومة. ولا يستطيع أيّ طرف أن يعاتب «حزب الله» على أيّ موقف يتخذه بعد انتخاب عون. فهو «أدّى قسطه للعلى». كذلك الرئيس نبيه بري الذي لم يعطّل اﻻنتخابات الرئاسية على رغم اعتراضه القوي على انتخاب عون.

هناك أصوات طبول تُقرَع مسموعة في البعيد. والتحدي أن تتلاشى بعد 31 تشرين اﻷول ليحلّ السلام… أو تتصاعد ويبدأ «الجهاد الأكبر»؟