IMLebanon

الأسد المتهالك على وقع.. «انتصارات» 8 آذار

فيما يبحث العالم مصير بشار الأسد، كان الأخير يبعث برسالة الى النائب ميشال عون يطالبه فيها بالصمود حتى تشرين! ليس هذا الحدث الوحيد الذي جيّره محور الممانعة لصالحه باعتباره «نصراً» مرتقباً. حتى ان «الحل السياسي» في سوريا، الذي يزيد الحديث عنه في الاروقة السياسية العالمية، تحوّل بسرعة البرق الى انتصار جديد، يُضاف الى انتصارات محور الممانعة اليومية !

مَن من اللبنانيين لا يتذكّر الأيام الأولى من الثورة السورية؟ يومها كان الممانعون يطلّون على الشاشات بشكل مكثّف للتأكيد على أمر واحد: «خِلْصِتْ»! يخرج «محلّل استراتيجي» من محلّلي «المحور» الكُثُر، يضحك حتى الثمالة، ويتوجّه الى المُحاور على احدى القنوات التلفزيونية قائلاً، «ها هو حي بابا عمرو قد سقط ونحن امام انتصار واضح وسريع»! يطلّ آخر، ممّن زرع في رأسه بصيلات شعر جديدة، يخبط يده على الطاولة ويقول باستكبار قلّ نظيره، «يا سندي، إن الدول الاقليمية مرتعبة من النظام السوري المقاوم.. أربعة أشهر «بالكتير» وينهي الرئيس السوري السيّد الدكتور بشار الاسد حربه على الجماعات المسلّحة»! وراح البعض في حساباته «الدقيقة» الى حد القول «ان الازمة بتخلص الثلاثاء الجاي».غمّض عين وفتّح عين، مرّ الشهر تلو الآخر، الى ان اضطرّ «حزب الله« الى الدخول بقواته الى سوريا. كان الاعتقاد يومها ان الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله دخل المعركة ليحسمها. خرج بعدها الكثير من المحلّلين ليتحدّثوا عن مفصلية معركة «القصير». حتى ان السيّد قال بنفسه، «إننا في الربع الساعة الاخير قبل ترجمة الانتصار»!

«ربع الساعة الأخير» امتدّ لشهور طويلة. فَشَلُ «الوكيل» في حسم المعركة استدرج «الاصيل» الى ارضها. قَدِمَ الروسي بسلاحه الجوي وعتاده العسكري الحديث، وارسلت ايران المئات من عناصرها، بعد ان اخفق الجيش السوري و«حزب الله« والميليشيات العراقية والافغانية والباكستانية وعموم «المحور» بـ»الانتصار» على المعارضة.

ولأن لـ»خطاب الانتصارات» في كلّ عرس قرصا، يعود اصحاب نظرية «خِلصِتْ» منذ الشهور الاولى، لإعلان «النصر مجدداً»! لكن على ماذا يقوم «النصر الجديد» هذه المرة؟! هو «الحل السياسي» في سوريا. يسأل الممانعون خصومهم، «ألم نقل لكم ان لا حل عسكرياً في سوريا بل هو حل سياسي»؟! هكذا أصبح الممانعون من اصحاب النظرة الثاقبة وأهل الانتصارات». لكن لحظة، ما هي أسس الحل السياسي الذي يُحكى عنه؟ لا بدّ من انعاش ذاكرة الممانعة ببعض التصريحات والاخبار التي لا تمر على إعلام هذا «المحور» ولو مرور الكرام. يقول الرئيس فلاديمير بوتين، «إننا نعوّل على موقف مرن ونشط للأسد وقبوله بحل وسط»! هكذا بالحرف. حل وسط؟ هل «الحل الوسط» هو الانتصار الإلهي الذي دفعت الممانعة آلاف المقاتلين ودمّرت بلداً بأكمله لإرسائه؟ لا بل أكثر من ذلك، فالدبلوماسيون الروس ومعظم زوّار موسكو يُجمعون على «ان الخلاف الدائر حالياً هو على مصير الاسد، وان البحث يدور حول ما اذا كان الاسد سيتنحى في بداية الحل السياسي او انه سيبقى بلا صلاحيات في المرحلة الانتقالية»! هذا ما ورد على لسان دبلوماسيين عالميين في تصريحات لوكالات الانباء التي يسيطر محور الممانعة على مكاتبها في الشرق الاوسط. ألم يقل إعلام محور الممانعة، «إن الموقفين الروسي والايراني حاسمين جدا بدعم الاسد»؟ هل هذا هو النصر الجديد الذي تُبشّر الممانعة به اصحاب القبضات الغاضبة الهاتفة «لبّيك»؟

قام «محور المقاومة الممانعة» على ثقافة الانتصارات الإلهية. ما قبل العام 2011، اي ما قبل انطلاق «الربيع العربي»، أجاد هؤلاء تكريس ثقافة الانتصارات، مستثمرين عنوان «القدس ومقاومة الاحتلال» ليخرقوا من خلاله الرأي العام العربي والاسلامي. لم يكن احد يومها ليجرؤ على التحدّث عن انتصارات « المقاومة». حتى ان الشارع العربي خرج خلال عدوان تموز 2006 نصرة للممانعة، على الرغم من رفض الكثير من قادة العرب لتلك الحرب. جاء «الربيع العربي« ليكسر الصورة ولينسف الانتصارات. واصلت «الممانعة» ابتكار الانتصار تلو الآخر للإمساك بجمهور بات يسأل بصمت عن صحّتها، وليحافظ نصرالله على صورة عمل سنوات على بنائها. عاد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الى اليمن على رغم تأكيد نصرالله انه «لن يعود»؟ لا بأس، سينتصر الحوثيون بعون الله. تحدّث «المحور» عن ربع الساعة الأخير قبل ترجمة الانتصار الإلهي في سوريا؟ هذا تفصيل.. انظروا الى المشهد الاوسع. انسحب الاسد و«حزب الله« وميليشيات «الممانعة» من مساحات واسعة للحفاظ على مساحات أخرى؟ نعم، إنه تكتيك إلهي. اعربت الخارجية الروسية قبل ايام قليلة عن استعدادها لفتح قنوات التواصل مع الجيش الحر؟ يُعوّل بوتين على موقف مرن ونشط للاسد وقبوله بحل وسط؟ نعم، هو النصر الإلهي الذي انتظرناه طويلاً !