IMLebanon

الكاردينال الراعي والفضل الأول في إنضاج الطبخة الرئاسية

في مثل هذه الأيام من خريف العام 2013، أي منذ ثلاثة أعوام، وكان الإستحقاق الرئاسي يدبُّ مقترباً من موعده، مع قرب انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان، كان هناك مَن بدأ يستشعر نغمة التمديد أو خطر الفراغ، كان ذلك البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، فبدأت عِظاته تُركِّز على رفض التمديد وكذلك على وجوب إجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها، حتى أنَّه في إحدى المناسبات وكان الرئيس سليمان في مقدِّمة الحضور في الصرح، ألقى البطريرك الراعي عظة تناول فيها علناً موضوع التمديد من باب الرفض، هذا الإلحاح أزعج الرئيس سليمان الذي أوفد إلى البطريرك الراعي موفداً رفيعاً يطلب إليه إقفال موضوع الحديث عن التمديد خصوصاً إنه، أي الرئيس، لا يريد التمديد، كما قال.

***

ثابر البطريرك الراعي على موقفه، فوسَّع دائرة إتصالاته ومقارباته لملف رئاسة الجمهورية، طوى صفحة التمديد للرئيس سليمان إلى غير رجعة، على رغم أنَّ الموجة التي أُريد لها أن تسود هي في الهبة السعودية التي سعى الرئيس سليمان للحصول عليها، ولا بد من بقائه لمتابعة تنفيذها.

سقطت هذه الذريعة من دون أن تسقط الهواجس من ذهن سيد بكركي، إنتقل من مسألة اقتراب موعد الإستحقاق إلى مسألة الإستطلاعات لمعرفة اتجاه الرأي العام، لكنَّ الحسابات السياسية لمعظم الأطراف جعلت البطريرك الراعي وحيداً في مقاربة ملف الرئاسة بطريقة عملية، موضوعية ومحايدة.

***

شيئاً فشيئاً تأكَّد البطريرك الراعي من أنَّ فريقاً ما لا يريد انتخابات الرئاسة، فقرر المجاهرة والمواجهة، جَمَع الأقطاب الموارنة الأربعة في بكركي، استطاع هذا الإجتماع أن يُنفِّس الإحتقان لكنه لم يبلغ حجم الإعتراض بصوتٍ مرتفع، وكذلك لم يبلغ خواتيمه السعيدة. فغرق الإستحقاق في سباتٍ عميق.

***

بعد نحو سنة، تحرّك الملف مجدداً تحت عنوان المرشح سليمان فرنجيه، ثم كانت خطوة ترشيح العماد ميشال عون التي حرَّكت المياه الساكنة.

رافضو هذه الخطوة ناقشوا موضوع الرئاسة من باب سلة الرئيس بري الذي يفتي برفض الرئاسة قبل الإتفاق على ما بعد الرئاسة، رفض البطريرك الراعي رفضاً قاطعاً مبدأ السلة وحذَّر المتعاطين بهذا الملف من تقديم السلة على حساب الدستور.

***

أربكَ هذا الموقف بعض الذين كانوا يراهنون على تلازم السلة والرئاسة، لكن إصرار غبطة البطريرك الراعي على فصل الرئاسة عن السلة، أعاد الإستحقاق إلى روحيته الدستورية.

كل ذلك، ما كان ليتحقق لولا إصرار سيِّد بكركي، وإذا كان من فضل في إنضاج هذا الإستحقاق، فإنَّ الفضل الأول يعود إلى غبطة البطريرك الراعي الذي أقل ما يقال له ألف شكراً.

وبالطبع سيرد غبطته:

لا شكر على واجب ولا شكر لحريص على الجمهورية وعلى سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية.

ونقول لصاحب الغبطة:

أصبح بفضلكم وإصراركم الدولة لها رأس قويّ.