IMLebanon

مشوارٌ في تقاليدٍ تزداد تخلُّفاً…

السبب، أو السرّ، الجوهري في صياغة التركيبة اللبنانيّة النادرة الوجود عربياً ودوليّاً، أن المناطق تكاد تكون متصلة وشبه موحَّدة. فلا انفصالات “فعليَّة” بين المحافظات. ولا بين المدن. ولا حتى بين القرى، والتي تكاد تكون واحدة بأسماء متعدِّدة، و”لهجات” مختلفة، وعادات من طينة يصعب تصنيفها.

من هنا كان هذا التمازج. بل هذا التكامل الذي ذهب مثلاً بين العاصمة بيروت وعاصمة الشمال طرابلس. حتى قيل إن النهار يبدأ في بيروت وينتهي في طرابلس، مع أن الشمس تشرق من مخدع الفيحاء وتغيب في ضجيج ليل العاصمة الأم.

لا مبالغة في التذكير بأن المواعيد كانت تُعطى بين بيروت وطرابلس في ساحة البرج حيناً، وفي ساحة التل أحياناً. حتى أصبحتا مدينتين في ساحة واحدة. تماماً، مثلما يصير الرجل والمرأة جسداً واحداً…

هذه البداية ليست مجرَّد مقدّمة لموضوع “تشبيهي” بين المدن والقرى والمحافظات والعادات والتقاليد في عموم لبنان، بقدر ما هي إطلالة على “المضمون” غير المرئي، وغير المتداول، للاستحقاقات الوطنيَّة والسياسيَّة في لبنان وحده دون سواه.

فالانتخابات البلديَّة يجب أن تتم في موعدها، أياً تكن “المحاذير”. وعلى أسس التنافس المعتادة، التي تتكرّر منذ كان لبنان الكبير، فالاستقلال، فالانفراط، فالفراغ، فالتسيّب. فهي من حيث ندري أو لا نريد تُظهر بصورة مصغَّرة الانتخابات النيابيّة المنتظرة لاحقاً، كما تُبرز المتغيِّرات الفعليَّة لدى الناس وميولهم السياسية، وتالياً إعطاء صورة واقعيَّة للمتغيِّرات.

السؤال الذي يطرح نفسه، أو الذي علينا طرحه في هذه المناسبة، يُختصر على النحو الآتي: ألا يزال اللبناني هو نفسه، قبل الحروب وبعدها؟

أو لا يزال هو نفسه ذلك المواطن المدجَّج بحقائب الاختصاصات العالية، والنجاحات المدويَّة في الأندية الدولية، والذي نكتشف يوم الامتحان عبر صندوق الاقتراع لمختار، أو لمجلس بلدي، أو للائحة نيابيَّة، أو لرئيس للجمهوريّة، أنه لا يختلف عن العم سعيد والخال مرشد والجار خليل.

كم وكم فجعنا بحملة الشهادات العالية، وأصحاب الاختصاصات البالغة الأهميَّة، والحائزين جوائز دولية في الحقوق والطب والهندسة والفنون. ألا يزال اللبنانيّون هم إيّاهم ذاتهم أنفسهم، كما كان الأجداد فالآباء فالأحفاد؟

هنا بيت الداء اللبناني الذي يزداد مع الأيام سوءاً وخطورة…

أجيال الأحزاب العقائدية التي اخترقت مجمل الجاهليات اللبنانيّة بقوّة وفاعلية مدهشتين، لم تلبث الحروب، وذيولها، وما أفرزته من أناس واتجاهات، أن قضت عليها بضراوة. ولم تُبْقِ من ضجيجها سوى الذكريات وصدى السنين الحاكي.

فاللبناني يُهاجر الى المنقلب الآخر من الأرض، ليعود بعد عقود أشدُّ تمسّكاً بالبدائيات المبيدة لكل الآمال.