IMLebanon

هل تلحظ خطة «البنتاغون» للرقة تدخلاً بريّاً في سوريا؟

بدأت تتّضِح، خلال الأيام الأخيرة، خطة البنتاغون لإخراج «داعش» من مدينة الرقة. ويتزامن هذا الأمر مع بروز معطى جديد، وهو تخلّي إدارة الرئيس دونالد ترامب عن حذر إدارة باراك اوباما في شأن تَمركز قوات أميركية برية في سوريا.

على رغم أنّ مصادر «البنتاغون» تقول انّ هذه القوات لن تتمركز في خطوط القتال الأمامية، وستقتصر مهمتها على الإسناد، لكنّ مراقبين عسكريين يعتبرون، استناداً الى إرهاصات تنفيذ خطة البنتاغون كما بدأت تتجسّد على الارض، أنّ واشنطن ماضية في اتجاه تورّط عسكري بَرّي كبير في سوريا.

والأسباب التي يدرجونها لتأكيد نظريتهم تنطلق من طبيعة خطة تمركز الجيش الاميركي في سوريا، والمُتّسِمة بأنها تدريجية، وقد تستولد إمكانية أنّ اميركا ستبدأ معركة الرقة بـ503 من جنودها المتمركزين الآن في أربع قواعد عسكرية اميركية في سوريا (الرميلان وعين عيسى والقامشلي وعين عرب)، ثم تضطر بفِعل احتدام القتال الى رَدفهم بـ400 مظلّي أعلن البنتاغون أنهم سيصلون الى سوريا تحت عنوان أنها قوات اضافية ستبقى في الخطوط الخلفية ووجودها في سوريا موقّت.

أضِف الى هؤلاء تخصيص البنتاغون قوة احتياط ثالثة لعملية الرقة تعدادها 1000 جندي متمركزين في الكويت، وقال البنتاغون انّ هؤلاء سيتدخلون لإسناد القوتين الاولى والاضافية في سوريا اذا دعت الحاجة.

ولا شيء يضمن، في نظر المراقبين العسكريين، ألّا تؤدي معركة الرقة الى إجبار اميركا على أن تَزجّ بها هذه القوات الثلاث بالتتالي: أي القوة الاساسية (503 جنود) والاضافية الموقتة (400 مظلّي) والاحتياطية البالغة 1000 جندي المتمركزة في الكويت.

وبحسب هؤلاء انّ التورّط الاميركي البري في سوريا سيبدأ عندما تضطرّ واشنطن الى إعطاء أمر للقوة الاضافية (المظليين الـ400) بتغيير أمر الاشتباك ليصبح الانخراط في القتال لإسناد القوة الاولى (503 جنود) بَدل البقاء في الخطوط الخلفية. وسيصبح التورط أكثر وضوحاً، فيما لَو عجز المظليّون الـ400 عن إسناد القوة الاميركية الاولى، وتمّ الإيعاز لقوة الاحتياط في الكويت بالتدخّل.

وفي حال وصل الأمر الى هذا الحد وثَبتَ انّ حجم التحديات العسكرية في سوريا يحتاج لأكثر من القوات الثلاث «الاولى» و«الإضافية» و»الاحتياطية» التي حَدّدتها خطة البنتاغون الراهنة، فستكون واشنطن قد دخلت احتمالات «الفَتنمة» (نسبة الى فيتنام) في سوريا.

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: لماذا تثير خطة البنتاغون في شأن تحرير مدينة الرقة من «داعش» في ذهن المراقبين العسكريين إمكانية أنها قد تكون بداية لتورّط أميركي بَري في سوريا؟

ضمن الإجابة عن هذا السؤال، يبرز المُعطى العسكري الأساسي وهو انّ معركة الرقة باعتراف البنتاغون هي أكثر وطأة عسكرياً من معركة الموصل.

فحالياً يحوط بالمنطقة الغربية من الموصل 105 آلاف جندي يعملون بإسناد قوات التحالف الدولي التي تستخدم 62 طائرة تستمر دفعات منها بالتتالي في التحليق على مدار الساعة فوق ميدان الموصل، إضافة الى 84 مروحية من نوع التمساح، القانصة للدروع والمركبات، وذلك مقابل 6000 مقاتل من «داعش». ومع ذلك فإنّ معركة الموصل تَستنزف كثيراً من الوقت والإمكانات.

امّا في الرقة التي يوجد فيها 5000 مقاتل من «داعش» ونحو 1200 مفخّخة كبيرة ونحو 4 مصانع لإنتاج المفخخات بمختلف أنواعها، فإنه يستبعد أن تستطيع اميركا حسمها بواسطة العدة اللوجستية التي وضعها البنتاغون، والمؤلفة من 503 من الجنود الأميركيين المدعومين بالطائرات الاميركية وكتيبة مدفعية متوسطة من عيار 155 ملم ومجموعتين خاصتين من مشاة البحرية والقوات الخاصة، والمكلّفين بإسناد قوات «قسد» (قوات سوريا الديموقراطية) البالغ عددها 5000 مقاتل.

وعليه، فإنّ المتوقع أن تضطر اميركا حتماً، مع احتدام معركة الرقة، الى الانتقاء بين خيارين: إمّا البحث عن شريك بَرّي جديد لها في المعركة إضافة الى «قسد»، او إرسال تعزيزات عسكرية اميركية جديدة فوق قوة المظليين الـ440 والـ 1000 جندي أميركي في الكويت. وهذا يعني حتماً بداية تورّط بَري. الحليف المُحتمل الذي قد تستنجد به واشنطن هو تركيا، ولكنّ الاخيرة لن تشارك في حال بقيت «قسد» في المعركة.

وخلال اجتماع انجرليك بين قائدي الجيشين التركي والاميركي أخيراً، عرضت تركيا، بحسب معلومات خاصة، خطتها لتحرير الرقة، وقوامها تشكيل قوات عربية سورية محلية تدعمها أنقرة، وتشارك معها قوات اميركية وتركية خاصة، تنفّذ، بدلاً من «قسد»، الهجوم على مدينة الرقة عبر مناطق تسيطر عليها قوات الحماية الشعبية الكردية.

ولتنفيذ هذه الخطة طلبت تركيا أن تقنع واشنطن حلفاءها الأكراد بالانسحاب من شريط عرضه 20 كلم من مناطق سيطرتها التي ستمرّ بها القوات المهاجمة للرقة. تحفّظت واشنطن عن هذه الخطة، خصوصاً لأنها تريد إقصاء «قسد» منها، وجادلَ الجانب الاميركي في أنّ واشنطن لا تقدّم سلاحاً للأكراد بل للفصائل العربية داخل «قسد».

الى ذلك ثمّة سيناريو آخر يُضاف الى المعلومات المسرّبة عن خطة البنتاغون لتحرير الرقة، ومفاده أنّ واشنطن، الى اعتمادها على قوات «قسد»، أضافت نقطتين عليها:

الأولى، أنها طلبت من أربع دول عربية إرسال قوات خاصة لتشارك في معركة الرقة تحت الإمرة الأميركية، بحسب نسختها الحالية التي صاغَها البنتاغون، وبين هذه الدول واحدة صغيرة ستساهم فقط بـ200 جندي.

أمّا النقطة الثانية فتتعلق بقواعد الاشتباك التي حدّدتها خطة البنتاغون التي وافق ترامب عليها، وهي:

أ- زيادة عديد القوات وفق خطة القوى الثلاث: قوة تدخّل استشارية 501 جندي، وقوة إسناد في الخطوط الخلفية 400 مظلّي، وقوة احتياط 1000.

ب- زيادة عديد القوات الخاصة والمروحيات ومدافع الهاون (حسبما هو محدد أعلاه).

ج – لا تتضمن الأوامر مشاركة أميركية برية مباشرة في القتال، او الاقتراب من خطوط المواجهة.

د- إعطاء قيادة ميدان العمليات صلاحيات وَضع الخطط وتحديد شكل التدخّل وفقاً لِما ترتأيه ومن دون العودة لواشنطن.