IMLebanon

«الباب» مَن يسبق أوّلاً؟

الغزل الأخير بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي صالح مسلم، عقب الغارات التركية التي استهدفت مواقع للوحدات الكردية في شمال حلب، ورد دمشق باستهداف مواقع الجيش السوري الحرّ المُتقدم نحو المدينة، يتطابق مع مقولة أن لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة في الحسابات السياسية، وأنّ المصالح هي التي تتحكّم وتسود.

«تفاهم» الحسكة بين دمشق والقامشلي الذي سبقته مواجهات بين الطرفين، عاد وتعرّض إلى انتكاسة في منتصف شهر آب المنصرم، تخلّلتها هجمات جوية نفّذتها مقاتلات الجيش السوري ضد المواقع الكردية، هو من هذا النوع ايضاً. لم تكن هناك وساطة روسية، بل واشنطن هي التي تدخلت من خلال ارسال مقاتلات لحماية قوات الحليف الكردي.

موسكو لم تحرّك ساكناً. ربما كانت منشغلة بموضوع المصالحة مع الأتراك، أو تخشى من أنّ أميركا تخطط لنقل «داعش» من الموصل الى الرقة، وترك الروس وجهاً لوجه مع التنظيم في حرب استنزاف طويلة الأمد.

المناوشات بين أنقرة والوحدات الكردية حصلت أكثر من مرة في الأسابيع الأخيرة وفي أكثر من مكان، في جرابلس واعزاز وعفرين. الملفت هنا أن يأتي الرد من دمشق «سنقوم باستخدام كافة الوسائل المتاحة لدينا لإسقاط أيّ آلية جوّية تابعة لتركيا تقوم بانتهاك المجال الجوّي السوري مجدّداً».

لمَن هي رسالة النظام السوري هذه، إلى أنقرة، أكراد سوريا أم للاعبين الإقليميين الذين يتحاورون في مسألة منطقة حظر جوّي في شمال سوريا لحماية المنطقة الآمنة؟

الإعلام التركي المحسوب على الحكم يتحدث للمرة الأولى عن اقتراب مجموعات من القناصة المنتمين لمقاتلي حزب الله الى خط المواجهة القريب من منطقة الباب، ودخولها في اشتباكات مباشرة مع وحدات الجيش السوري الحر.

لكنّ صالح مسلم يقول لدمشق يدنا دائماً ممدودة، ويتساءل عن عدم تحرّك دمشق لإيقاف تركيا بالقوة. يريد من دمشق ايضاً أن تتفهّم مطلب المشروع الفدرالي الكردي في سوريا، الذي يتقدّم على الارض بدعم دولي، ومن دون أن يكون لدمشق أيّ رأي فيه .

هل التفاهم الاخير بين النظام والوحدات الكردية في الحسكة سيتبعه تفاهم آخر في الباب لإفشال الخطة التركية في اتجاه إعلان المنطقة الآمنة، وهل ستسمح روسيا وأميركا بذلك؟ هل من الممكن الحديث عن مصالح أميركية روسية مشترَكة يهمها محاصرة النفوذ التركي في سوريا والعراق، على رغم وجود كلّ التفاهمات التركية الروسية الأخيرة؟

«داعش» ستقاتل في الباب طبعاً، ولكن ليس من أجل الصمود والبقاء في المدينة بل من أجل إشعال الجبهات العسكرية والسياسية والمذهبية قبل انسحابها من المكان. أيّ مخطط هو وما هي أهدافه، طالما أنّ هذا التنظيم كان يعرف أنّه لن يستطيع الاحتفاظ بالارض والسيطرة عليها مطوَّلاً؟

أمّا أنّه يتحرك نيابة عن البعض يحقق له ما يريد وأمّا أنّه واثق من مشروعه المتنقل، والذي لا يقوم على أساس السيطرة على الأرض بل على الاستفادة من خلافات الآخرين واحترابهم ومنحه الفراغ الأمني والسياسي الذي يريد؟

المشروع الأميركي القديم الذي كانت موسكو تعرف تفاصيله هدفه الأول كان التعامل مع خطة التفرد أو التمرد التركي في شمال سوريا، وتغريد أنقرة خارج السرب جنباً الى جنب مع بعض الدول العربية.

والطريقة الأفضل والأسرع للرد لم تكن ورقة داعش المحروقة، بل تحريك الورقة الكردية في شمال سوريا ضدّ تركيا، وفرض خطة ربط الكانتونات المعلنة تمهيداً للمساومة على مشروع الفدرالية الكردية ..تركيا تقول إنّها أفشلت المشروع، لكنّ صالح مسلم لا يزال يساوم لدى البعض على دمج نفط شمال سوريا بشمال العراق، بعد إسقاط حليف أنقرة مسعود البرزاني.

أفشلت تركيا المشروع الأميركي الكردي في شمال سوريا، وأعادت الاعتبار إلى قوات الجيش السوري الحرّ، وضرورة إشراكه في المعارك العسكرية ضد «داعش». ولكن في صناعة المشهد السياسي في سوريا، ومسألة تفرّد تركيا بإعلان المنطقة الآمنة، والتحضير لها رغماً عن اللاعبين المحليين والإقليميين، والتحرّك نحو الباب ثمّ المساومة مع موسكو على معركة الرقة شيء آخر حساباته أكثر تعقيداً وتشابكاً.

واشنطن تتابع حتماً ما تقوله قيادات «مجلس سوريا الديموقراطية» حول أن تحرّك الجيش السوري نحو الباب «سيضع حداً للأطماع التركية، وأنّ قوات سوريا الديموقراطية لن تتقدم على هذا المحور، إذا ما تحرّكت قوات النظام في دمشق»، وما تكرّره دمشق ايضاً بالإشارة الى أنّ التعزيزات العسكرية الضخمة التي وصلت في الفترة الأخيرة إلى مدينة حلب لها مهام أخرى إلى جانب تحصين الجبهة الجنوبية، وهي توجيه المعركة نحو مدينة الباب.

آراء بدأنا نتابعها في صفوف اكراد سوريا وتحوّلت الى قناعة على ما يبدو، وهي أنّ الأسد سيعود ويتمدد ويبقى في السلطة، وأنّ التفاهم والمساومة معه افضل بكثير من الوقوف في وجهه.

وكأننا نسمع صوت أحدهم من أنصار« داعش» يصرخ من البعيد، ناصحاً بإبقاء الباب بيد التنظيم لتجنّب كلّ هذه السيناريوهات السوداوية!