IMLebanon

عن «الستين»… و«ورقة التين»!

كل الدروب تؤدي الى قانون الستين؛ ها هي النسبية تفقد وهجها، وتدرّجت مقارباتها من نسبية واسعة او موسّعة، الى نسبية ضيقة، ثم الى «ميني نسبية» ثم الى نسبية مخففة، ثم الى نسبية جزئية، ثم الى نسبية مطعّمة، ثم الى ما يشبه النسبية… والحبل ما يزال على جرّار التوصيفات. كل هذه «النسبيات» كانت أعجز من أن تبني ولَو مساحة مشتركة ضيقة بين القوى السياسية المختلفة.

يبالغ من يقول إنه فوجئ بعجز النسبية على إغراء القوى السياسية وجذبها اليها، كما يبالغ من يعتقد أنها كانت في لحظة من اللحظات أقوى من الستين، الذي ثبت انه أقوى من كل العواصف الانتخابية الأخرى ومن كل الاقتراحات المقابلة سواء أكانت مختلطة أو غير ذلك او احتوت على أيّ مضمون مخالف لمُندرجاته.

وها هو الانقسام السياسي الحاد بين المكونات السياسية، وافتراقها حتى على الأولويات والضرورات، واختلافها حتى على جنس الملائكة، كلّ ذلك يجعل هذا الستين فوق كل اعتبار وأمراً واقعاً مُمَسمراً على ارضية مصلحية محمية بحصون سياسية وطائفية ومذهبية، وسبيلاً وحيداً لإجراء الانتخابات النيابية على أساسه أواخر الربيع المقبل.

خلاصة المشهد الانتاخابي، كلام من فوق السطوح لا قيمة له، افكار اصلاحية، تغييرية، تجميلية، تقذف من هذا الجانب او ذاك وتصادم بعضها البعض وتتشابك وتتعقّد ولا تحظى بالحماية والتحصين حتى من مطلقيها، وامّا على ارض الواقع فتَتبدّى حقيقة أنّ تلك الافكار ما هي سوى كلام بكلام وأحرف مصفوفة يتم تجميعها لزوم المزايدة والتمريك وتسجيل النقاط على الآخر، وامّا في القلوب فتتربّع حقيقة انّ قانون الستين باقٍ، وستقام مراسم إعلان بقائه حتماً في الآتي من الايام، وستُخلَق لذلك ظروف معيّنة او اسباب موجبة لن تنتظر احداً لأن يصرّح بها بل إنها ستُعلن عن نفسها بنفسها تبعاً لمواقف «قوى الستين» المبرمجة مواقفها وأداؤها مسبقاً على هذا الاساس.

أمام حفلة التكاذب التي تعصف بالبلد منذ اشهر وما زالت مستمرة حتى الآن، لن يكون مفاجئاً أبداً إنْ تَسلّح البعض من «قوى الستين» بمقولة «قانون في اليد ولا عشرة على الشجرة»، وكذلك بمقولة «إنتخابات نيابية مضمون إجراؤها على اساس قانون نافذ ومعلوم، أضمَن من انتخابات غير مضمونة يحكمها قانون مجهول وغير مولود»… هناك من يقول هذا الكلام فعلاً! وتبعاً لذلك، ولأنّ كل الدروب الحالية توصِل الى الستين فما على وزارة الداخلية إلّا أن تشرع في إعداد العدة لإجراء الانتخابات النيابية على اساس هذا القانون النافذ.

ماذا يعني بقاء الستين؟

– أولاً، قطعُ الطريق على اي قوة سياسية تحاول إتاحة فرصة ولو ضئيلة لتطوير النظام في المستقبل.

– ثانياً، تأكيد عجز الطبقة السياسية على الاستفادة من تجارب السنوات الماضية بكل ما فيها من اسباب وعناصر توليد ازمات وتوترات سياسية وغير سياسية. وبالتالي ولوجها نحو خطوة وطنية ضخمة بحجم إقرار قانون جديد للانتخابات تستقيم معه الحياة السياسية.

– ثالثاً، تأكيد أنّ التوازنات الهشّة التي حكمت البلد وما تزال تحكمه، وتوصله بين فترة وفترة الى حدود الوقوف على شفير الهاوية، لا تحتمل ايّ تغيير ، ولو كان طفيفاً في قواعدها ومرتكزاتها، التي تفرض نوعاً من الستاتيكو الثابت بين اطراف الصراع الداخلي.

– رابعاً، تأكيد عجز الفئات الشعبية على اختلافها على الضغط الجدي في اتجاه تحريرها من قانون انتخابي يتيح لقوى معينة من مصادرة صوتها واحتكار تمثيلها، وتسوقهم كالأغنام الى صناديق الاقتراع.

– خامساً، تأكيد انّ كل ما جرى من حراك مدني بما رافَقه من مطوّلات شِعر ومدح بكل القوانين والصيغ التمثيلية العادلة والمنصفة، إعتراضاً على الستين والتشهير به ونَعته بشتى الأوصاف والتعامل معه وكأنه مرذول الى حدّ الإلقاء به في القمامة، ما كان إلّا كلاماً في الهواء وحراكاً ثَبُت بالملموس أنه ألقي في سلة المهملات دفعة واحدة، امام الحقيقة الموجعة بأنّ الستين هو الوحيد الثابت.

– سادساً، إبقاء القديم على قِدمه، وقطع الطريق على التغيير او التعديل او التجميل في موازين القوى السياسية المتحكمة بالبلد. وبالتالي، إبقاء البلد على ما هو عليه: دولة طوائف، ومذاهب، وكعكة، وجبنة… أشبه بشركة محاصصة سياسية وغير سياسية يشرّعها قانون الستين والخريطة النيابية التي فرزها والسلطة السياسية التي تتمخّض عنه.

– سابعاً، إحراج، او اكثر من إحراج للعهد الرئاسي الجديد، خصوصاً انّ هذا العهد قدّم نفسه للبنانيين على أنه عهد واعد ويحمل شعار الاصلاح والتغيير وضرب الفساد، وزرع في الأذهان أنّ لديه النية، والرغبة، والاستعداد، والحماسة، لإحداث صدمة إيجابية في الواقع السياسي دخولاً من باب القانون الانتخابي.

ولكن مجرّد بقاء الستين، الذي يعتبره البعض المدخل الاساس لكلّ فساد مَشكو منه، معناه أنه يظهر بشكل او بآخر بأنّ العهد اضطر الى التسليم به كأمر واقع بناء على حسابات ومصالح معينة لبعض من هم في «المحيط».. ولكن ينبغي هنا التوقف ملياً عند «الثورة الشعبية» التي لوّح بها «التيار الوطني الحر» لمواجهة «الستين».

– ثامناً، إحراج لبعض القوى التي لها حضور فاعل والمحسوبة في الموقع القريب من العهد (حزب الله)، والتي علّقت آمالاً كبرى عليها كرافعة لتغيير وتطوير النظام الانتخابي والسياسي في لبنان، بحيث تبيّن أنها غير جاهزة لترفع الصوت الاعتراضي والقيام بخطوات معينة من طرف واحد او مبادرات ضاغطة لوقف مسار الستين، بل تبدو أنها ستسلّم بالأمر الواقع في نهاية المطاف مُكتفية بعناوين ترفعها رفضاً للستين وتأييداً لصيغ انتخابية تصفها بالعادلة، والنسبية جزء منها.

– تاسعاً، إظهار الرئيس نبيه بري، صاحب مقولة دفن الستين، بأنه يصرّخ وحده في صحراء قاحلة انتخابياً. والقارع الوحيد لناقوس الخطر من الآثار المستقبلية لقانون الستين، إن تمّ اعتماده.

– عاشراً، أزاح عبئاً عن صدر الرئيس سعد الحريري غير المتحمّس أصلاً لقانون بديل عن قانون الستين، خصوصاً أنه يسعى عبر الانتخابات النيابية المقبلة الى تشييد بناء حريري صلب سياسياً ونيابياً، وبالتالي حكومياً.

– حادي عشر، أثبت أنّ وليد جنبلاط، بالمواقف التضامنية التي حظي بها من مختلف القوى السياسية، ما زال الرقم الصعب الذي يتحكّم بالقانون الانتخابي منذ العام 1992، وحالياً هو ينطق جهاراً نهاراً بأنه يريد قانوناً يؤمّن له ولموقعه ولِما ولِمن يمثّل الطمأنينة والأمان. ويَلقى منطقه كلّ تضامن وتفهّم من الأقربين والأبعدين وما بينهما.

عملياً وواقعياً، شكّل قانون الستين ورقة التين التي سترت حقيقة مواقف القوى السياسية، والآن نزعت هذه الورقة ولم تعد تنفع أيّ قنابل دخانية ولا محطات استعراضية ولا إيجابيات كاذبة او شعارات وهمية للتغطية عليها وإخفائها.

في ميزان الربح والخسارة، لا يمكن القول انّ أيّاً من المكونات السياسية تخسر في ظل هذا القانون، لا المتمسكون به ولا المنادون بالنسبية. فهو سيعيد حتماً توازنات المرحلة الماضية كما هي أو مع تعديلات جزئية طفيفة، لكن هناك سؤال يفرض نفسه: هذه الحكومة التي يترأسها الحريري، تمّ اعتبارها حكومة انتقالية وليست حكومة العهد الاولى، بل انّ الحكومة الفعلية للعهد والتي يمكن اعتبارها الحكومة الاولى هي التي ستتشكّل بعد الانتخابات، فماذا ستسمّى حكومة بعد انتخابات على أساس الستين؟ لا بل ماذا سيتغيّر فيها عن الحكومة الحالية؟

يبقى السؤال ماذا يربح البلد؟

يَرد جواب معبّر على لسان أحد المسؤولين فيقول: «حال بلدنا كحال طائر النورس الحزين الذي يطارده القنّاصون بالأجرة، ويغتالونه

بلا أيّ سبب»!