IMLebanon

من فيينا إلى باريس

فرنجية مرشّحاً: معادلة «التنازلات» في «يالطا سورية» قيد الإنضاج!

ليس من السهل – البتّة – إقامة تماثل بين «البارومتر السياسي» والبارومتر «الطقسي» أو المناخي، ففي الحالة الثانية عندما تتحدث مصالح الأرصاد الجوية عن احتمالات إنقلاب الطقس من الصحو إلى الممطر، أو من الدافئ إلى البارد، يأخذ النّاس في المناطق النائية، وحتى في العاصمة، أو العواصم العائدة للمحافظات، وتتصرّف الحكومة – أيّاً كانت الحكومة – على أن الطرقات ومنافذ المياه تحت الأرض، نظيفة، ولا تملأ الشوارع بمياه المطر، وأن النفايات الصلبة والمنزلية، والعوادم لا يجوز أن تتعرّض للمياه الغزيرة، لئلا تولّد الجراثيم والميكروبات، فضلاً عن تلويث منابع الماء التي يشرب منها البشر والحيوان والزرع.

وغالباً ما تصحّ التوقعات، وتفشل الترقبات السياسية، وتفشل المعالجات، حتى ولو رُصدت لها الأموال الطائلة!

وفي الحالة الأولى، في بعض الأحيان، لا يعبّر البارومتر السياسي، عن دقة ما يُشير إليه، ولا حتى عن إحتمالاته، إنما تفيد المعلومات التي تُسرّب أو الإجتماعات التي تُعقد، إمّا عن محاولة خرق، أو مناورة، أو تقطيع وقت، أو إيصال رسالة، أو البحث عن خيارات، أو كسر ستاتيكو ما، يشكّل استمراره عوائق أو يهدّد بمضاعفات بالغة التعقيد..

إلّا أن ما حفلت به الأسابيع القليلة الماضية بدءًا من الإجتماع الذي عُقد في باريس بين الرئيس سعد الحريري، بصفته رئيس تيّار المستقبل، ورئيس تكتّل لبنان أولاً، وهو التكتّل الأكبر في المجلس النيابي، والنائب سليمان فرنجية، رئيس تيّار المردة، باعتباره شخصية مارونية، من بين الشخصيات المارونية، المحسوبة على قوى 8 آذار، وبصفته زعيماً شمالياً مسيحياً، وجدّه الرئيس سليمان فرنجية كان رئيساً للجمهورية، ويمكن أن تقبل به 8 آذار، وكتل نيابية أخرى، لم يكن من قبيل المناورة، أو تقطيع الوقت، بل جاء في سياق البحث عن حلّ لأزمة الشغور الرئاسي التي مضى عليها أكثر من 18 شهراً، وهي مرشّحة لوقت أطول فيما لو لم يُقدم على التحرُّك وأخذ زمام المبادرة..

المعلومات القليلة المتوافرة، ولكن ذات الثقة والمصداقية، أشارت إلى أن:

1- مبادرة الرئيس الحريري، صادقة، وجدّية، وعملية، وتهدف إلى إيجاد حلّ لمشكلة الشغور في الرئاسة الأولى، تمهيداً لإيجاد حلّ للتعطيل الحكومي، وصولاً إلى إعادة بناء السلطة التشريعية وسائر السلطات الأخرى إلى العمل والإنتاج..

2- هذه المبادرة، لم تأتِ من فراغ، بل هي على صلة مباشرة باجتماع فيينا الذي شاركت فيه الدول الخمس الكبرى والسعودية وقطر والعراق ولبنان وإيران، بحثاً عن حلّ للحرب السورية، وهذا يعني الإستمرار بفصل الأزمة السورية عن الإستقرار اللبناني، لجهة تعزيز هذا الإستقرار، والمُضيّ قُدماً، بعد ذلك، في إنضاج التسوية التي تقضي، بمرحلة إنتقالية، بوجود بشار الأسد (الرئيس السوري) أو بعدم وجوده في السلطة أو على رأسها..

ترشح المعلومات المستقاة، من مصادر عدّة، دبلوماسية وسياسية، أنه من غير الممكن مقاربة راديكالية للاستقرار اللبناني، من دون إعطاء تطمينات كافية لحلفاء النظام «المتصدِّع» في سوريا. لذا، فالرئاسة اللبنانية لا يمكن أن تُطبخ كما جرى في الدوحة، بل عبر سلّة «تنازلات وتسويات» متبادلة، تأخذ في نظر الإعتبار، أن التطمينات الممكنة لحزب الله، لا تقتصر على إشراكه بالحكومة، بل على رئيس يركن إليه، ويعتقد أنه لن يسير في أي مشروع مستقبلي، لا ترضى عنه «المقاومة» التي يعبّر عنها حزب الله.

إن لبنان، من ضمن يالطا عربية – إيرانية، وأميركية – روسية، هو الذي استدعى التقدُّم بمبادرة فرنجية رئيساً، وليس ميشال عون أو سمير جعجع، لاعتبارات معروفة، فضلاً عن أن الرئيس الأعلى للكتائب سبق وانُتخب رئيساً للجمهورية في العام 1982.

ولا حاجة، من زاوية إعطاء الأسباب والإعتبارات «للإقتراع» لفرنجية، أن الرجل، هو واحد من أربعة اختارتهم الكنيسة، عندما رعت إجتماعاً للقادة المسيحيين برئاسة البطريرك الماروني بشارة الراعي، وهو يُعتبر من الأقوياء في بيئته، فهو الممثّل الوحيد لزغرتا وقضائها في المجلس النيابي، وحتى على أساس قانون الستين.

3- واقتراح السير بفرنجية مرشحاً ليس «توفيقياً» كما يعبّر عون عن ترشيح نفسه، ولا توافقياً، كما يحلو لجعجع، أن يردّد، بل هو من ضمن معادلة تقاسم السلطة في لبنان، في مرحلة التغيّرات الكبرى في الشرق الأوسط، بدءاً من رحى الحجر السوري، الذي يطحن البشر والحجر على أرض الشام العربية..

4- ولأن الترشيح يندرج، ضمن هذه الرؤية الأدق، في السياقين السياسي والاستراتيجي، يُصبح من المفهوم تماماً، الإتفاق مع القائلين أن ثمّة «توقفاً» حصل، ليس بسبب الإرتدادات المرتقبة على جبهتي الرابية ومعراب، وإنما بسبب الإشتباك الجوي بين أنقرة وموسكو، واحتمالاته غير المريحة، فضلاً عن تصاعد التوتر الإيراني – السعودي، على خلفيات معروفة..

هذا «التوقُّف» أو التباطؤ. استدعى تحريكاً من نوع آخر، وترقّب من نوع أشدّ صعوبة، من أن يكون ترشّح رئيس تيّار المردة، مجرّد بالون إختبار.

إلّا أن اتصال الرئيس الحريري بالنائب فرنجية، أعاد إلى الأذهان مجدّداً، جدّية الترشيح.. والباقي رهن مسار فيينا من جديد!