IMLebanon

الحريري 2: فرنجية ليس بشار الأسد

لا تعكس «حرب» التعليقات والردود الانفعالية غير المحكومة بسقوف على مواقع التواصل الاجتماعي سوى الجزء اليسير ممّا يقال سرّا في الطبخة الرئاسية غير الرسمية حتّى الان.

ثمّة خاسرون ورابحون من معادلة فرنجية – الحريري، من ضمن خط الحلفاء أنفسهم وبين الاخصام. ليس في الامر اي جديد حين تفرض تسويات من هذا النوع نفسها على القوى السياسية في الداخل، لكن المسألة تأخذ أبعادا أكثر اهمية ودلالة حين تُربط وللمرة الاولى في عهد ما بعد الطائف باحتمال وصول شخصية محسوبة قلبا وقالبا على النظام السوري الى سدّة الرئاسة الاولى.

وبعد نحو اسبوعين على انعقاد لقاء باريس لا تزال المواقف وردّات الفعل، حتّى الرمادية منها، على حالها أقلّه في العلن. الخطوة الثانية مطلوبة من الرئيس الحريري بإضفاء الطابع الرسمي على عرض «المستقبل»، ولعل الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط و «حزب الله» يتصرّفون على أساس ان معادلة فرنجية – الحريري أكثر جدّية بكثير من لقاءات «التمويه» التي استخدمت مع ميشال عون، وبالتالي تحتاج المسألة للعمل عليها بالمضمون وليس بالشكل، وخصوصا باتجاه المكون المسيحي.

ليس معلوما إذا كان سعد الحريري سيستخدم الاسلوب نفسه الذي اعتمده في ايلول 2010 يوم أقرّ أنه هو وحلفاءه ارتكبوا خطأ بتسرّعهم باتهام سوريا بالوقوف خلف اغتيال الرئيس رفيق الحريري عبر حديث نشرته صحيفة «الشرق الاوسط» تحت عنوان «المراجعة الذاتية».

التخريجة كانت سعودية مستوحاة من مناخات التقارب مع السوري تحت مظلة مشروع الـ «سين سين». يصعب اليوم الحديث عن إخراج مماثل في ظل التصعيد المستمر بين الرياض وطهران ودمشق وآخر مظاهره فرض عقوبات من جانب المملكة على 12 شخصا ومؤسسات يعملون لمصلحة «حزب الله» حسب البيان السعودي.

سئل يومها الحريري في المقابلة مع الجريدة المملوكة سعوديا عن العلاقة الشخصية التي تربطه مع المسؤولين السوريين، وذلك غداة الزيارتين اللتين قام بهما الى دمشق في كانون الاول وايار من العام 2010 فأجاب «أحسّ بانني ذاهب الى بلد اخ وصديق ولا احسّ بأنني ذاهب الى مكان كانت لديّ معه مشكلات».

لكن «مشكلة الاقصاء» انفجرت بوجهه بعد أقل من خمسة أشهر حين اسقطت «8 آذار» حكومته في 12 كانون الثاني 2011 بعد استقالة وزرائها العشرة إضافة الى «الوزير الملك» بالتزامن مع لقاء الحريري بالرئيس الاميركي باراك اوباما في البيت الابيض.

إعلان الاستقالة حصل من الرابية أحد أهمّ «التسليفات» التي يقول فريق ميشال عون اليوم ان الاخير منحها لقوى الثامن من آذار. يومها بادر سليمان فرنجية الى إعلان ترشيح عمر كرامي كأول الاسماء المطروحة، معتبرا ان «لا أحد أكبر من طائفته»، ومذكّرا بأننا كنا مع سعد الحريري لكنه للاسف يراهن على القرار الظني في قضية الرئيس رفيق الحريري.

ثمّة من يشبّه اليوم، «ذهاب الحريري نحو خيار فرنجية تماما كذهابه الى دمشق ونومه في قصر المهاجرين ومن ثم اعتذاره من سوريا على الاتهامات السياسية المتسرّعة بحقها» على حد تعبير أحد صقور «14 آذار»..

من جهته، يستعيد الحريري التجربة مع فرنجية على القاعدة نفسها التي حكمت تلاقيه السابق مع السوري «كأني ذاهب الى مكان لم يكن لدّي معه مشكلات»، وبـ «الكليشيه» ذاته: التسوية الشجاعة بعيدا عن الشعبوية من أجل وقف عدّاد التعطيل، مع القناعة الكلّية بأن فرنجية ليس نسخة عن بشار الاسد. والتطمينات وصلت بهذا الخصوص قبل وقت من لقاء باريس على قاعدة انفتاح فرنجية ورغبته بالتواصل مع الجميع لنقل لبنان من مرحلة الى أخرى تكسر الاصطفافات السائدة بمجرّد انتخاب رئيس الجمهورية. لذلك المسائل الخلافية نضعها جانبا. لكل ثوابته الاستراتيجية، لكن الاهم تقديم الاولويات الاقتصادية والاجتماعية الملحّة.

كان لافتا للانتباه قول أحمد الحريري أحد ألدّ أعداء هذا الخيار، على المستوى الشخصي، بأن سعد الحريري «يعان ولا يدان» بتبنّيه هذا المسار الانقاذي بدلا من التفرّج على انهيار البلد. لكن في المحطّتين رئيس «تيار المرده» هو نفسه، لم يذهب الى أحد بل همّ أتوا اليه.

يوم استقالة وزراء المعارضة تمايز فرنجية عن الجميع بتأكيده ان البلد لا يحكم الا بالتوافق سواء نحن ربحنا او همّ، ذاهبا الى حدّ القول بأن المعارضة لن تفرض اسم رئيس الحكومة على الطائفة السنية، وإن الواقع لاحقا خالف قناعاته.

هي المعادلة نفسها التي يتكئ عليها فرنجية اليوم بالرهان على «العرض الحريري» على قاعدة: انا وميشال عون من الخط نفسه. المفاضلة بيننا هي بحدّ ذاتها انتصار لنا. إذا اقتنع «الجنرال» باستحالة وصوله الى الرئاسة هناك انا رقم 2. وبمطلق الاحوال المعادلة هي توافقية لا صدامية.