IMLebanon

الحريري ــ فرنجيه: لغز الرياض؟

تحريك الاستحقاق الرئاسي لا يفضي حتما الى انتخاب الرئيس غدا. حوار جدي، والمتحاوران ايضا، وإن هما لما يزالان على الرصيف. لكن المهم في كل ما قالاه او نسب اليهما طرح سؤالين: هل آن اوان انتخاب الرئيس؟ هل ان طاولتهما مَن يصنع الرئيس؟

قد لا يبدو اجتماع الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه في باريس، مساء 17 تشرين الثاني لغزاً مقدار ما هو كذلك موقف الرياض منه. لم يكن للرجلين ان يلتقيا بلا معرفتها على الاقل، على غرار جولات طويلة من مفاوضات مماثلة بدأت في كانون الثاني 2014، في باريس، بين الحريري والرئيس ميشال عون لهدف مطابق: التحضير للاستحقاق الرئاسي اشهرا قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.

قيل يومذاك انهما على قابي قوس او ادنى من انتخاب عون رئيسا. في ما بعد، حتى الامس القريب، ظل رئيس تكتل التغيير والاصلاح يعزو اخفاق ذلك التفاوض الى فيتو سعودي على انتخابه. برأ الحريري ولا يزال، ووثق بنياته في تأييده. لم تمانع المملكة في حوار الرجلين، لكنها لم تجد لدى عون مرونة تقوده الى موقف يتمايز به عن حزب الله وايران.

مذ ذاك، تحت شعار ان لا رئيس من قوى 8 آذار ترضى به السعودية، طُوي انتخاب رئيس ما دامت طهران بدورها ترفض انتخاب رئيس من قوى 14 آذار. كلتا العاصمتين من خلال حلفاء الداخل تملك فيتو رفض انتخاب رئيس لا توافق عليه من دون ان يسعها، لوحدها، فرض انتخاب الرئيس. الا انهما، منذ ذلك الحين، لم تلتقيا ــــ او لم تشاءا في احسن الاحوال ــــ التفاهم على مرشح ثالث. ذهب الاستحقاق الى ادراج النسيان الى ان ايقظه اجتماع باريس الاسبوع الفائت، وما تسرّب عن موافقة الحريري على رئيس من قوى 8 آذار هو فرنجيه، في مقابل عودته الى السرايا.

عَامَ على السطح مجددا اللغز: هل باتت المملكة اكثر استعدادا للموافقة على مرشح من قوى 8 آذار، من دون ان تجد في المرشح الثاني فيها ما كانت ترفضه في عون.

بالتأكيد انطوى لقاء باريس على جدية الخوض في الاستحقاق، والبحث في مرشح في قوى 8 آذار بالذات، ومقاربة تأييد فرنجيه بحد معقول من الصدقية. وهو مبرر كونه الطرف الثاني في الحوار. بيد ان ما قد يعنيه المضي في ترشيحه بضع ملاحظات:

اولاها، لا يسع طهران الا الترحيب بترشيح احد ابرز الحلفاء المخلصين لحليفها في لبنان، وهو حزب الله، المنخرط في محور المقاومة منذ مطلع التسعينات ما ان وطأ السلطة نائبا ووزيرا. ليس مألوفا وصف علاقة فرنجيه بايران على غرار علاقة عون بها او مغالاته في اطرائها، الا انه الاكثر التصاقا بالخيارات الاقليمية لحزب الله، سواء في مقاومة اسرائيل او العلاقة مع سوريا او مواجهة التنظيمات التكفيرية.

ليس في فرنجيه

سوى ما يجهر تيار المستقبل وحلفاؤه برفضه

ثانيها، لن يسع عون الوقوف عقبة في طريق ترشيح فرنجيه ما دام هو المرشح الثاني والوحيد الذي يليه في قوى 8 آذار. لم يقل نائب زغرتا مرة انه غير مرشح، الا انه وضع على الدوام ترشيحه خلف عون. يقرن استخدامه عبارة «انني اختار نفسي» بتخلي حليفه الماروني عن ترشيحه. على نحو كهذا تعامل الرجلان، احدهما مع الآخر، وكلاهما مع حزب الله، على ان ثمة مرشحا اول هو عون، لكن ثمة افضلية واحدة تلي خيار عون هي فرنجيه رئيسا. واقع الامر ان احدا ليس في وسعه احراج عون لحمله على التخلي الا فرنجيه بالذات.

ثالثها، العودة الى المصدر الاول للاشتباك بين فريقي 8 و14 آذار، ومن ثم اطالة امد الشغور، وهو تعذر انتخاب اي من المرشحين الاربعة فيهما، والفسح في المجال امام البحث عن مرشح ثالث. وهو موقف لم يتردد تيار المستقبل في تكراره طوال الاشهر المنصرمة من الشغور، رغم ترشح حليفه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.

حيث اخفق الحوار بين عون والحريري في الوصول الى معادلة انتخاب الاول رئيسا للجمهورية وتسمية الثاني رئيسا للحكومة، بدأ حوار الحريري مع فرنجيه. وهو بذلك لا يسلّم بمرشح من الاربعة فحسب، بل برئيس من قوى 8 آذار يقيم توازن قوى في الحكم مع رئيس للحكومة من قوى 14 آذار. في ما مضى اشاع تيار المستقبل عبر نوابه حجة لم يكن في وسعهم تبريرها وشرحها، هي ان رئيسا للحكومة من قوى 14 آذار يوازي رئيسا لمجلس النواب من قوى 8 آذار، فيما يقتضي انتخاب رئيس للجمهورية توافقي، لا من هذا الفريق ولا من ذاك. حجة كهذه، بعد اجتماع باريس، باتت اليوم مدار تندر.

لا يتوخى الحوار الجديد اخراج عون من الاستحقاق فحسب، بل تنصل الحريري من تأييد جعجع، المرشح الجدي الوحيد المعلن لدى هذا الفريق منذ نيسان 2014.

على غرار ما فعل في 22 تشرين الثاني 2007، عشية انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود، عندما قرر مع الرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط تأييد قائد الجيش العماد ميشال سليمان رسميا مرشحا توافقيا من دون اعلام جعجع والرئيس امين الجميل والحلفاء المسيحيين الآخرين ـــــ وبينهم مرشحون جديون ـــــ عاود الحريري اللعبة نفسها. بذلك، بين استحقاقي 2007 و2015، الاشخاص مختلفون لغاية واحدة هي ابعاد عون عن الرئاسة.

ليس ثمة وجوه شبه بين مرشح 2007 ومرشح 2015، بل كمّ كاف من التناقضات: غموض علاقة سليمان بفريقي 8 و14 آذار يقابلها وضوح فرنجيه في الخيارات الاكثر اقلاقا لتيار المستقبل وحلفائه: حليف وطيد لحزب الله يدعو سلاحه مقاومة لا سلاح ميليشيا، حليف وطيد للرئيس السوري بشار الاسد لا النظام (وعُرف بيت فرنجيه منذ الجد الراحل ان الصلة هي بالرئيس لا بمَن يحوط به) يكرر في كل حين تمسكه بالوقوف الى جانبه، لا يتردد في الدفاع عن انخراط حزب الله في الحرب السورية كي يستخلص منه انه أبعد التيارات التكفيرية عن الاراضي اللبنانية. اضف الى ذلك كله، ان فرنجيه لم يطرح نفسه مرة مرشحا توافقيا على غرار عون ابان تفاوضه مع الحريري، ولا حاول ان يلبس سوى ما يعرفه به خصومه.

لعل المفارقة ان ليس في فرنجيه الا كل ما يجهر الحريري وحلفاؤه برفضه.