IMLebanon

إيران تفتح حربها المذهبية للسيطرة على الحرمين المكي والمدني

كانت المؤشرات تتراكم حول نوايا إيرانية لتخريب موسم الحج هذا العام، لأسباب متعددة، يعود بعضها لمأزقها في اليمن وبعضها الآخر لسعي إيراني إلى توسيع المواجهة الجارية في المنطقة عسكريا وسياسيا لتشمل عمق الصراع المذهبي المرتبط بطموح إيران الدفين في السيطرة على مكة المكرمة والمدينة المنورة.

حملة ايران على إدارة السعودية للأماكن المقدسة ليست جديدة، بل إنها تتوازى مع التهديدات التي يطلقها مسؤولون إيرانيون بأنهم سيدخلون مكة ويبسطون سيطرتهم عليها عسكريا، في كل مفصل من مفاصل الحروب التي تخوضها إيران على العالم العربي، حيث يصرح مسؤولون مثل أحمد خاتمي خطيب جمعة طهران، بضرورة «تحرير مكة»، كما تصدر هذه المواقف عن مجموعات تنطق عادة بلسان مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، ومنها جماعة «أنصار حزب الله» (تتخذ من مدينة مشهد – شمال شرقي إيران – مقرا لها)، والتي سبق لها أن أصدرت بيانا حول أحداث اليمن جاء فيه: أنه «لا يبقى إلا فترة وجيزة لفتح مكة والمدينة، وأن العالم سيشهد صعود «دولة شيعية» في أرض الوحي». وجاء في بيان ان استمرار عملية «عاصفة الحزم» في اليمن ستخلق الفرصة المناسبة لدخول الحوثيين إلى السعودية ليتوحدوا مع الشيعة هناك، والسيطرة على عرش المملكة، وزعم البيان أن «عاصفة الحزم» ستكون بداية نهاية الحكم السعودي، وستوسع سيطرة الشيعة في المملكة بسرعة كبيرة».

خلفية تاريخية

فور اندلاع الهجمة الإيرانية عادت الذاكرة التاريخية عميقا في جذور الصراع الناشئ عن خروج الجماعات الشيعية المتناسلة والمتصارعة، وبرزت تلك الواقعة التاريخية الفظيعة، يوم قام القرامطة (فرقة من الشيعة) في العام 317 هجرية باجتياح مكة المكرمة، فقتلوا نحرا نحو ثلاثين ألف حاج وملؤوا بئر زمزم بالجثث وسرقوا الحجر الأسود.

ومنذ لحظة استيلاء الخميني على الحكم في إيران، أعطى أهمية خاصة للتحرك في موسم الحج، فأعطى تعليماته للإيرانيين بالتظاهر ورفع الشعارات وإبداء الهوية المذهبية المستفزة في بيت الله الحرام وفي المسجد النبوي الشريف.

وعلى وقع هذا التحرك المستفز، ارتكب الإيرانيون سلسلة جرائم في مواسم الحج المتعاقبة، أوقعت آلاف الضحايا من حجاج ضيوف الرحمن:

– في العامين 1982 و1983 باشر الإيرانيون باستخدام الحج لإقامة استعراضاتهم المذهبية والعنصرية، فقاموا بالتظاهر والاحتجاج وإثارة الفوضى في مكة المكرمة.

– في العام 1985 تهريب 51 كيلوغرام من مادة «سي 4» في حقائب «الحجاج» الإيرانيين.

– في العام 1986 مظاهرات وإثارة الفوضى والشغب ورفع شعارات التكفير والتنديد بالدولة السعودية، وحمل المتظاهرون الايرانيون صور الخميني وقاموا بقتل مئات الحجاج بالأسلحة البيضاء بتحريض من الخميني.

– في العام 1988 قام الإيرانيون بتفجير داخل مكة المكرمة، قرب المسجد الحرام في موسم الحج، مما تسبب في قتل عدد كبير من الحجاج، وألقت السلطات السعودية القبض على الخلية المنفذة، وبعد تقديم الأدلة الدامغة على تورطها أعدمت السلطات السعودية أعضاءها القتلة، وسمتهم إيران «شهداء» وأطلقت عليهم صفة «أولياء الله».

– في العام 1990 قام الإيرانيون بقتل آلاف الحجاج بالغازات السامة في نفق المعيصم، مما تسبب في اتخاذ المملكة قرارا بإيقاف حملات الحج الإيرانية.

– في العام 2015 قام إيرانيون بسلوك خط معاكس في غير وقتهم المخصص للرمي، موقعين مقتلة كبرى، كان بعضهم ضحيتها، لكنها كانت تهدف بوضوح إلى استفزاز قوى الأمن السعودية، من خلال هتافاتها البغيضة التي تعلن الشتم للصحابة الكرام، فضلا عن تساؤلات كبيرة حول دور القيادات والشخصيات العسكرية المرموقة والأمنية والدبلوماسية التي قضت أو فُـقـدت في هذا التزاحم.

الحملة الإيرانية

فور وقوع التدافع المدبر من البعثة الإيرانية، أطلقت طهران حملة سياسية شرسة تستهدف إدارة المملكة العربية السعودية لمناسك الحج، فطالب المرشد الإيراني علي خامنئي السعودية بـ «الاعتذار» عن الوفيات خلال الحج ويقول ان العالم الاسلامي لديه «تساؤلات كثيرة»، ثم ما لبث أن صعّد في موقفه متوعدا بما أسماه ردا قاسيا إذا لم تـعد السعودية جثامين الإيرانيين القتلى، وأضاف: «إذا قرّرت إيران الرد على فاجعة منى، فإن أوضاع المسؤولين السعوديين لن تكون جيدة، وسيكون الرد قاسيا وصعبا».

 في حين دعا الرئيس الإيراني روحاني الى فتح تحقيق حول «التدافع المأسوي» الذي وقع في منى، وأثار قضية إخضاع مكة المكرمة والمدينة المنورة لإدارة مشتركة من منظمة المؤتمر الإسلامي.. وأعلن نواب إيرانيون أنهم سيقدمون مشروعا بهدف نقل ادارة الحج من السعودية إلى منظمة التعاون الإسلامي.

تساؤلات حول

الموقف الإيراني

من خلال استعراض تاريخ إيران الحديث مع الحرم المكي ومواسم الحج، يكتشف الرأي العام أن الاعتداء على الحُجّاج أمر معتاد لدى المسؤولين الإيرانيين، خاصة إذا كان المطلوب استثمار أرواح الضحايا لغايات سياسية مذهبية فاقعة واستعمال الاختراق الحاصل لتشويه صورة المملكة العربية السعودية وتوظيف هذا الطرح في إطار الحملة الإيرانية على المنطقة العربية.

وبحسب تقاطع المعلومات، فإن الثابت هو أن الإيرانيين هم من تسبب في هذه الكارثة، من خلال مخالفتهم لخط السير ولموعد التفويج، محدثين فوضى وشغبا، مترافقا مع إطلاقهم شعارات مذهبية حاقدة.. وما يثير المزيد من الشكوك هو تزايد مصداقية المعطيات التي تقول بأن إيران زوّرت مئات جوزات السفر ودفعت بكوادر مدرّبة بين صفوف الحُجاج، لافتعال هذه الجريمة المروّعة.

فإيران أطلقت حربها العسكرية في العراق وسوريا واليمن، وقبلها في لبنان، وباشرت حملتها السياسية إثر توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، وها هي اليوم تدشن حربها المذهبية بالدعوة إلى إدارة مشتركة للأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية، لتكتمل بذلك دائرة المواجهة بعناصرها العسكرية والسياسية والعقائدية.

السعودية: موقف ناصع

تقع مكة والمدينة تحت سيادة الدولة السعودية، وهذا واقع سياسي واستراتيجي ثابت لا يقبل التفاوض أو المساومة، لأن القيادة السعودية تولي رعاية الحرمين المكي والمدني عناية فوق عناية، وتبذل من الجهد والتخطيط والمال فوق المطلوب، لإتمام مناسك الحج والعمرة، وحسن استقبال الوافدين إلى المشاعر المقدسة، وكل تشكيك في هذه الحقيقة لا يأتي إلا من حاقد جاحد.

أما في موضوع الخبرات والمشاركة لتحسين مستوى الخدمة، فيمكن الجزم بأنه ليس لدى الدول الأخرى ما تقدمه في إدارة مناسك الحج، لأن القدرات والخبرات السعودية هي الأكثر كفاءة وتراكما عبر السنوات، وما جرى من حوادث في الحج، خلال العقود الماضية، وآخرها هذا العام، كان مفتعلا من إيران لتبرر تدخلها في شؤون الأماكن المقدسة، أو حوادث محتملة الوقوع، في ظل وجود هذا التجمع البشري الهائل.

ثم إن هناك مواطنين شيعة يقصدون مزاراتهم في النجف وقم وكربلاء، فهل تسمح طهران وتابعتها في بغداد بإدارة مشتركة، خاصة أن الكثير من الوفود الزائرة تعرضت لكثير من الحوادث والمهالك.

خلاصة القول:

تقف المملكة العربية السعودية في وضع الحامي الأمين لحرمة وقيمة المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، كيف لا وهي خلال السنوات الست والثلاثون الماضية استقبلت أكثر من 70 مليون حاج، بنسبة وفيات لم تتجاوز الخمسة آلاف، بنسبة وصلت 0.00007 %.

بعبارة أخرى، فإن الخسائر في الأرواح وقع معظمها نتيجة العدوان الإيراني على بيت الله الحرام وضيوف الرحمن، ويبدو من خلال تداعيات الفعلة الإيرانية الأخيرة، أن الولي الفقيه يفتح الحرب على وجهها الحقيقي، ببعدها المذهبي القاتم، لكن الذاكرة تخونه وتخون مؤيديه، لأنهم نسوا أن موجات سيطرة الخارجين على الأمة كانت عابرة، وإن تمادت، وهم بالتالي عابرون مهما طال مقامهم في بلاد الشام والعرب.