IMLebanon

عدالة أم سياسة؟

ليس تضامناً مع الرئيس البرازيلي ميشال تامر لأنه من أصل لبناني وخبير دستوري وقانوني وقائد برلماني، وليس تضامناً مع الرئيسة ديلما روسيف لأنها امرأة، بل لأنني أحسست منذ البداية أنّ هناك مسعى لإطاحتهما (ديموقراطياً) عبر اتّخاذ آلياتٍ دستورية وقانونية بتهم، أقلّها الفساد.

لقد شعرت كمعلق أنه يقتضي عدم ترك ذلك الأستاذ (تامر) وتلك السيدة (روسيف) ليدافعا عن نفسيهما أمام الرأي العام البرازيلي والعالمي الذي شاعت اليه قصتهما المتضمّنة التهم الموجّهة لهما (الفساد والرشوة).

قصة الرئيسة ديلما روسيف في إختصار هي أنها كانت قد انتُخبت رئيسةً للبلاد عام 2010 بعد أن تقدّمت بإحدى عشرة نقطة على منافسها الاشتراكي الديموقراطي جوزيه سيرا حاكم ولاية سان باولو السابق في البرازيل، وأوّلُ تحدّ واجهته كان تحدّياً شعبياً في سنوات رئاستها الأولى عندما خرج الناس الى الشوارع عام 2013 للاحتجاج على الفساد وسوء الخدمات وكلفة استضافة بطولة العالم في كرة القدم عام 2014.

فيما بعد التزمت روسيف في برنامجها المعلن لدورة رئاسية ثانية أن تحقق برنامج إصلاحات اقتصادياً يقوم على مكافحة الفساد والاستثمار في التنمية الاجتماعية.

الإجراءات لعزل روسيف استغرقت نحو العام وقُبل طلب إقالتها الذي قدّمه رئيس مجلس النواب وهو تهم تشمل التغاضي عن مخالفات (بتروبراس) تنفيذ الحكومة البرازيلية لخطط مالية والمناورة في الحسابات والفشل في دفع المصارف الخاصة والعامة لتمويل البرامج الاجتماعية (اعتُبرت هذه العملية انتهاكاً للمسؤولية المالية).

وجاء تقرير لجنة التحقيق البرلمانية مؤاتياً لإقالة روسيف وتمّ تأكيد طلب الإقالة بتصويت مجلس الشيوخ ما أدّى الى تعليق صلاحياتها وواجباتها، وقد تولّى الرئاسة في هذه الفترة الانتقالية ميشال تامر.

الرئيس تامر هو محام وأستاذ جامعي بارز في القانون الدستوري وسياسي برازيلي (من اصل لبناني) تدرّج في المناصب وأُعيد انتخابُه في ست دوراتٍ متتالية نائباً في مجلس النواب ثمّ رئيساً لمجلس النواب البرازيلي ثلاث دوراتٍ متتالية ثمّ انتُخب نائباً لرئيسة الجمهورية وكُلِّف بقيادة مساعي النهوض بالعلاقات بين البرازيل والعالم العربي، خصوصاً في المجال الاقتصادي.

تسلّم تامر رئاسة البرزيل موقتاً لستة أشهر خلفاً لروسيف، وفي 31 /8 وبعد ساعات من استكمال مجلس الشيوخ البرازيلي الإجراءات لعزل روسيف أدّى تامر اليمين الدستورية رئيساً للبلاد. والجدير بالذكر أنّ الأستاذ الرئيس له أربعة مؤلفات من بينها (الدستور والسياسة) كما نظم 130 قصيدة شعرية.

و هكذا دخلت البرازيل مجدداً أتون أزمة سياسية بعدما وجّه المدعي العام للرئيس تامر اتهاماً بالفساد والترتيب للحصول على رشاوى بملايين الدولارات. وبموجب القانون البرازيلي يجب أن يصوّت ثلثا اعضاء مجلس النواب ضد تامر لكي تجري محاكمته.

وكان المحققون البرازيليون قد كشفوا عن مستويات فساد مذهلة تورّطت فيها النخبة السياسية ورجال الأعمال الكبار خلال السنوات القليلة الماضية. ويخضع تامر وثلث أعضاء حكومته وأربعة من الرؤساء السابقين وعشرات النواب للتحقيق في هذه القضايا.

هل إنّ قضية اطاحة الرؤساء في البرازيل رمّانة أم قلوب مليانة؟

نحن كمراقبين من الخارج ليس لنا الحق في أن نشكّك في نزاهة القضاء البرازيلي وعدالته. ولكننا عندما نتحدث عن بلداننا التي تعاني ما تعانيه من الأزمات لا بد لنا من أن نتوقف عند ريح روح القانون التي تهب الى درجة أنها تعصف بقيادات البلاد في البرازيل التي يمثل المتحدّرون من أصل لبناني فيها 10% من سلطاتها، ما يطرح اسئلة عن محاكمة الفساد والرشوة والإصلاحات السياسية والاقتصادية عندنا وقد بلغ الدين العام 110 مليارات دولار.

في رأي كثير من المراقبين أنّ ديلما روسيف قد أطيحت لأسباب سياسية ومسعى كذلك في المقابل يجري الإعداد للإطاحة بميشال تامر، وأنّ الولايات المتحدة الاميركية تقف في المرة الأولى خلف الإطاحة بالرئيسة روسيف لأسباب تتعلق بترتيب البيت في الأميركيّتين بما يناسب سياسة واشنطن الخارجية، وأنه صادفت مسألة الإطاحة بروسيف الإطاحة بسيدة كانت في كوريا وكأنّ في الأمر انتقاصاً من إمكانية إدارة السيدات للدول، وهذا ما يفسّر العلاقة الشائكة الآن بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الإدارة الاميركية دونالد ترامب.

والآن فإنّ مسعى الإطاحة بتامر يأتي وكأنه مسعى للإطاحة بنظامٍ موالٍ للولايات المتحدة الأميركية يأتي بعد فشل مخططات، هي في جانب منها أميركية هدفت للإطاحة بتركة هوغو شافيز السياسية في فنزويلا.

في كل الحالات فإنّ ما جرى ويجرى في البرازيل هو الإطاحة بإثنين ليسا من أصول سكان تلك البلاد، فالسيدة روسيف هي من أصول بلغارية، والسيد تامر هو من أصول لبنانية.

ربما الأمر كذلك (إطاحة عرقية) وربما المسائل محض قضائية ولكن ولأننا لم نتعوّد عندنا على استقلالية القضاء، فإننا نستمر نشكّك ونلقي المسؤوليات ذات اليمين وذات اليسار في إنتظار أن نتعوّد على اقتحام العدالة لمعاقل السلطات عندنا، وهذا الأمر لن يحدث على الإطلاق ولا مرة خلال التاريخ.