IMLebanon

كأني بنصرالله يكرر: لقد ترك لكم سمير القنطار…

جملتان تختصران الكثير، قالهما السيد حسن نصرالله في العام 1997 خلال تشييع نجله هادي، وفي العام 2008 خلال ذكرى الشهداء القادة. قال في المناسبة الاولى إن هادي ذهب بنفسه اليهم ليقاتلهم في الجبل الرفيع. وفي المناسبة الثانية قال «لقد ترك لكم عماد مغنية خلفه عشرات الآلاف من المقاتلين المدرّبين المجهّزين الحاضرين للشهادة».

تفاصيل قليلة تبدلت. العدو واحد. من جبل الرفيع في اقليم التفاح، الى جبل الشيخ حيث يجثم الاحتلال. «جيش لحد» هو ذاته. تبدلت الاسماء قليلا والادوار، لكن الهدف واحد: نبض المقاومة أينما كان.

تحضر هذه المقارنة للحديث عن سمير القنطار. بالأمس، كرّر السيد حسن المقولتين بشكل او بآخر. وبهذا المعنى، فإن القنطار في يوم حريته الأول عندما استقبله الأمين العام لـ «حزب الله» قال له انا بانتظار قراركم ايفادي للقيام بعملية مقاومة ضد اسرائيل، أي للعودة الى فلسطين، كما كان يتمنى. أمنيته القصوى «الذهاب اليهم» مجدداً، وهو لم يكد يستمتع بيوم حريته الاول خارج المعتقلات. في العام 1997، قال السيد متباهياً بابنه الشهيد، هو اختار بكل جرأة الصعود الى مواقع الاحتلال لمقاتلته. هي سيرة كل الشهداء. القنطار، منذ جرّب محاولته الفدائية الأولى عبر حدود الاردن واعتقل، ثم الى نهاريا.. وصولا الآن الى الجولان.

هذا في الجرأة والقرار. اما في ما ترك القنطار خلفه، فهو كثير. «المقاومة الوطنية السورية في الجولان» ليست عبارة فضفاضة. ليست كلاماً دعائياً. من شككوا في المقاومة اللبنانية قبل 30 سنة، يرتكبون الإثم ذاته الآن. منذ عامين، وهذه النبتة تنمو في الجولان. هي ليست جديدة، وليست غريبة عن بيئتها. انها استكمال لمسيرة طويلة من أشكال المقاومة هناك. الان تتخذ ـ او اتخذت ـ هيكلاً قتالياً منظماً.

كأني بنصرالله يقول بالأمس من دون استفاضة « لقد ترك لكم سمير القنطار….» ولم يكمل. «الرد السوري» المؤجل على الاحتلال لم يعد يصلح ليكون تهمة بعض المشككين والمتخاذلين. أمامكم الان سلسلة عمليات جرت ضد الاحتلال. أمامكم قائد شهيد ينتمي الى الامة كلها. هو فلسطيني وسوري ولبناني …خلق القنطار واقعا جديدا امام اسرائيل. معادلة جديدة، وبقرار بالتأكيد من القيادة السورية العليا.

المعلومات المتوفرة، وهي قليلة، تشير الى جهد تنامى منذ اكثر من عام، بعد تحضيرات بدأت قبل ذلك، خصوصا بعد تصاعد الدور الذي تقوم به الفصائل المسلحة وبينها «جبهة النصرة» في محاذاة الشريط الجولاني المحتل، وبدعم مباشر من اسرائيل. سيظهر في المرحلة المقبلة الكثير عما انجزه القنطار لمواجهة المنطقة الاسرائيلية ـ الارهابية المشتركة هناك. العديد من المجموعات المقاومة تشكلت بعدما اختيرت بعناية من صفوف قوات «الدفاع الوطني» المشكلة في بداية الازمة السورية لمواجهة خطوط الامداد التي فتحها الاسرائيلي للفصائل الارهابية من داخل الجولان المحتل.

في مواجهة الخاصرة الاسرائيلية الضعيفة والخطرة في الوقت ذاته، اعدت الخطط، وجرى تدريب المقاومين الجدد وتسليحهم خصوصا بأسلحة فردية نوعية وتحديدا بما يمكنهم من مقارعة الاسرائيلي وعملائه في «جيش لحد الثاني»، من صواريخ موجهة وصواريخ قصيرة وعبوات، وصار عدد المنتسبين بالمئات، نظّمهم وأعدّ هياكلهم وتدريبهم سمير القنطار. وعلى طول الشريط وداخل القرى المواجهة، شاركوا في عمليات عدة ضد الاحتلال، وكان اخرها مجموعة الشهداء الاربعة الذي حاولوا زرع عبوة داخل مجدل شمس قبل بضعة اسابيع.

وتقول مصادر مطلعة ان هذه المجموعات منتقاة بعناية للمشاركة في العمل المقاوم، ولم تشارك في المعارك الداخلية سوى في حالات استثنائية بما يرتبط بالدفاع عن النفس. وهم من ابناء القرى والمتداخلة خارج الشريط المحتمل وخارجه. عائلاتهم هناك، وهم سوريون من اهل المنطقة، ومن طوائفها المتنوعة، بما في ذلك من البيئات الدرزية والسنية وغيرها. وعبر هذه الصلات والروابط تمكنوا من تحقيق اختراقات داخل مناطق الاحتلال. هذا انجاز كبير في زمن قصير نسبيا ، وبقرار من اعلى هرم القيادة السياسية والعسكرية في سوريا، وفّر للمقاومين موارد التسليح والتنسيق والاتصالات ومكّنهم من العمل بحرية واسعة برغم المشهد العسكري المعقد.

وبهذا المعنى فإن المقاومة السورية تكتسب شرعيتها الاخلاقية والدولية الكاملة. هذه اراض سورية محتلة حتى وفق قرارات مجلس الامن الدولي، ويجعل بالتالي، مريبا قرار واشنطن المفاجئ ادراج القنطار على لائحتها الارهابية في ايلول الماضي، فيما هو يقود مقاتلين سوريين يعملون على الاراضي السورية لتحرير مناطق محتلة، وينتمون الى عائلات هذه المنطقة والمحاذية لها، ولم يكن بالمفهوم الاميركي المضلل منخرطا في ساحات الاشتباك السورية الواسعة، وهي بكل الاحوال معركة مواجهة مشروعة.

من هنا، تكمن اهمية دور القنطار وخطورة اغتياله. لقد اسس الرجل لمقاومة شعبية آخذة بالتكامل في تلك القرى، وهم من اهلها، والى التبني الكامل من محور المقاومة لمفهوم المعركة الواحدة من الناقورة الى شبعا والجولان. توسع مصطلح «المقاومة» ومفهومها بين اهالي المنطقة. وبأدبيات الناس هناك، يسمونهم «من المقاومة». مرصد جبل الشيخ يقبع هناك في الاعالي كاشفا المناطق الممتدة من الريف الجنوبي لدمشق وصولا نحو اقصى الجنوب عبر عرفه وحضر بالتماس مع مزارع شبعا، ومع القرى التي يحتلها «مسلحو لحد» في خان أرنبة وعقربة والحارة ونوى وجاسم. كل حراك مرصود. وفي هذه البيئة تحرك القنطار ورفاقه، وعززوا ثقافة المقاومة. هذه معادلة جديدة في مقارعة اسرائيل، من داخل سوريا.

وهذا بعض مما تركه لنا سمير القنطار.