IMLebanon

«التحييد» المستحيل والفراغ الطويل

مع بداية النصف الثاني من عهده، وعندما أعلن الرئيس ميشال سليمان عدم رغبته في التمديد، قيل الكثير انها «مناورة سليمانية» ستنتهي بقبوله «العرض»، واقتنع كثيرون بفكرة البقاء أيّاً كانت التسمية، سواء تمديد أو تجديد أو إعادة انتخاب.. المهم عدم ترك القصر الرئاسي وبالتالي المنصب الأول في الجمهورية اللبنانية، فريسة للفراغ الطويل كون مكتوب الـ«أنا» يُقرأ من عنوانه.

وعندما اقترب الرحيل ودقّت ساعة المغادرة، تقاطر السفراء وسعاة الخير لإقناع رئيس الجمهورية بـ«فكرةٍ ما» تبقيه حيث هو، بشرط إبداء بعض المرونة في مواقفه أو من دونه، لأن المعلومات الدَولية وقتذاك، إذا اضيفت على القراءة الموضوعية للأحداث، كانت تؤكد انعدام إمكانية التسلّم والتسليم، وان إمكانيّة انتخاب الرئيس بعد حين، كانت كناية عن ضرب غير موفق بالمندل الرئاسي، في حين لم ينتبه البعض ان القائد السابق للجيش، تعلّم من سوء تجربة أسلافه في القيادة، سواء في التمرّد، أو في قبول التمديد. ومع رفض سليمان الشخصي والمُسبق للفكرة من أساسها، بُنيَت بطولات كثيرة وحيكت روايات تضليلية بهدف الكسب أو تسجيل النقاط، عن رفض هذا ومنع ذاك إتمام عملية التمديد.

راهن الرئيس ميشال سليمان على صحوةٍ ما، أو صدمة إيجابيّة للقضاء على الفراغ منعاً لتسجيل سابقة أو تكريس هذه السابقة عرفاً مفاده ان ما بين الرئيس السَلَف والرئيس الخَلَف ثلث ولاية فراغ، مرفقة بثلث ولاية من تعطيل تأليف الحكومات من أصل السنوات الست، ما يعني ان رئيس الجمهورية اللبنانية يمارس أربع سنوات من الحكم من أصل ثمان، وما يعني أيضاً، ان هناك من يريد الإثبات للرأي العام المحلي ولبعض الدول المعنيّة بالشأن اللبناني، أن وجود رئيس الجمهورية وعدم وجوده سيّان. تمهيداً ربما، وبحسب معلوماتٍ ديبلوماسيّة طازجة، لطرح فكرة المداورة في الرئاسات، أو السعي إلى ما يُعرف بالمؤتمر التأسيسي، لطرح السؤال الكبير سواء عبر «الارثوذوكسي» أو من دونه، «تعالوا إلى الميزان وليأخذ كلٌ حصته بحسب عدده الحالي». ما يعني حُكماً «مثالثة»، من دون تأكيد بقاء الرئاسات على ما هي عليه اليوم.

والمؤسف في الموضوع، ان الـ«أنا» لم تتراجع لمصلحة الصالح اللبناني العام، ما أوصلها إلى بلوغ «أعلى الشجرة» وليس من يُنزلها، حيث يُطلّ الاستحقاق تلوَ الاستحقاق، والـ«أنا» ما زالت ثابتة في «تمرّدها» المُضِر بسمعة لبنان في الخارج وبمستقبل أبناء الداخل، عندما يظهر عجزه عن التداول السَلِس للسلطة، في حين يتغنّى بتنوعه وحضارته وتاريخه والبطولات.

ولأن «الساكت عن الشغور شيطان أخرس» كما قال الرئيس سليمان، بات لزاماً على الجميع عدم المهادنة وتلوين المواقف، أو تعليبها مسايرةً لحوار، أو التطنيش عنها طمعاً برئاسة. يجب ان تقال الأشياء كما هي وبكل وضوح: «ان تعيين قائد الجيش قبل انتخاب الرئيس وبعيداً عن مبدأ استحالة التوافق على الإسم، هو بالأساس إهانة موصوفة لشخص الرئيس العتيد أيّاً يكن».. هنا نُكرر ما قلناه منذ أشهر عدة.. وبالتالي، يجب على من يريد لأي تعيين ان يتحقق، الاسراع في انتخاب الرئيس دون قيد ولا شرط.. وإلّا، كان الله بعون بعبدا وكرسيها الذي تتقاذفه الأطماع، ورحم الله منصباً أول «كان يُعرف انه من حصة الموارنة»، وبالتالي: بات لزاماً التحضير للاحتفال بـِ»عيد المقاومة والتحرير 2016»، ليس في الضاحية الجنوبية ولا في بلدات الشريط الحدودي.. لأن ساحات قصر بعبدا شاسعة وواسعة.. وفارغة، ورئيس الحكومة تمام سلام خير من يُلقي كلمة الاستقلال أو كلمة «الاحتفال» بالفراغ، وهو الذي بسلوكه الديبلوماسي، برهن انه أكثر حرصاً على حصول الانتخاب من بعض الموارنة انفسهم.

وما يُعزز هذا التشاؤم، «استحالة وصول رئيس من صلب 8 أو 14 آذار، بسبب احتدام الصراع وراديكالية المواقف من قتال «حزب الله» خارج الحدود، واختباء الموارنة الذين يدّعون الوسطية وهروبهم الفاضح من إبداء أي رأي واضح بـِ»أهم المشكلات»، لأنه وفي صريح العبارة: لن يقبل «حزب الله» برئيس يعارض قتاله خارج الحدود، ولن يقبل تيار «المستقبل» برئيس مؤيد لهذا القتال.. وبالتالي تبدو الحاجة ملحّة إلى المرشّح غير المنتمي إلى المعسكرين والذي يجاهر بأهمية «تحييد لبنان» عن سياسة المحاور.. مع ضرورة انتظار التوقيت المناسب لعودة الجميع إلى القبول بمبدأ «التحييد»، وهذا ما يبدو مستحيلاً في المدى المنظور.. فأبشر بطول سلامة يا فراغ.. ويا حكومة.