IMLebanon

لا حلَّ لأزمة الانتخابات الرئاسية وتداعياتها إلا بالعودة الى الدستور وبممارسة الديموقراطية

يقول رئيس سابق للحكومة لو أن القادة في لبنان احترموا الدستور نصا وروحا لما كان لبنان يغرق في أزمات لا خروج منها إلا بتدخل خارجي يخدم به مصالحه قبل غيره. فعند وضع قانون للانتخابات النيابية لم يراع في وضعه ما نص عليه اتفاق الطائف، أي ان تجرى الانتخابات وفقاً لقانون جديد “على أساس المحافظة يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين وتؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل، بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري في اطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات”. لكن ما من قانون وضع للانتخابات وراعى ما نص عليه هذا الاتفاق فجاءت معظم المجالس النيابية لا تمثل شتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل، لأن القوانين فصّلت على قياس مرشحين وليس على قياس الوطن لكي تأتي أكثرية نيابية تقدم مصلحة الوطن على أي مصلحة.

وعند تشكيل الحكومات لم يراعَ في تشكيلها ما نص عليه الدستور بل صارت الاحزاب والكتل النيابية هي التي تتدخل في تشكيلها ولا دور لرئيس الحكومة المكلف سوى دور ساعي البريد او ضابط ارتباط للتوفيق يبن هذه الاحزاب والكتل على توزيع المقاعد والحقائب، وأفدح ما اعتمدته من خارج نصوص الدستور ان يكون لطرف في الحكومة الثلث المعطل الذي سمّوه زورا وبهتانا “الشراكة الوطنية” في اتخاذ القرارت المهمة فلا تستأثر بها الاكثرية، فتحوّل ثلثا معطلا لكل قرار لا يعجب الاقلية ومن تمثل، وهو ما جعل الحكومات التي تتألف من أضداد تحقيقا لـ”الشراكة الوطنية” التي تحولت مشاكسة فاقدة الوطنية، حكومات فاشلة وغير منتجة لانها لم تطبق الدستور عند تأليفها لا نصا ولا روحا، ولا سيما البند 2 من المادة 64 ونصها: “يجري (الرئيس المكلف) الاستشارات لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. وعلى الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها، ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها الا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال”. وهذا معناه ان الرئيس المكلف بالاتفاق مع رئيس الجمهورية يشكل الحكومة ويتحمل مسؤولية تشكيلها امام مجلس النواب عند طرحه الثقة بها، فإما تنالها فتباشر عملها او تحجب عنها وعندها تجرى استشارات جديدة لتسمية من يكلف تشكيل حكومة جديدة، فاما يعاد تكليفه اذا جاءت نتائج الاستشارات لمصلحته، أو يكلف سواه”.

وفي الانتخابات الرئاسية كانت المخالفة فاضحة لنصوص الدستور، ولا سيما للمادة 75 ونصها: “ان المجلس الملتئم لانتخاب رئيس للجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة بدون مناقشة او أي عمل آخر”. واذا بعدد من النواب يطلع ببدعة التغيّب عن جلسة الانتخاب من دون عذر مشروع، والادعاء أن عملهم هذا ديموقراطي… وأن النائب حر في ان يحضر الجلسة او لا يحضرها، وإلا كان المشترع لحظ نصا واضحا وصريحا في هذا الصدد. لكن فات هؤلاء ان ما جعل المشترع لا يلحظ هذا النص هو كونه لم يفكر انه سيأتي يوم يتغيب فيه النواب عن جلسة انتخاب الرئيس من دون عذر شرعي، ولا من قبل الهيئة العامة، فاستمر تعطيل جلسات الانتخاب مدة 19 شهرا حتى الآن، وصار انتخاب الرئيس غير مرتبط بما تقرره الاكثرية النيابية بل بما تقرره الصفقات والمساومات والمحاصصات التي تتم وراء الكواليس وخارج المجلس. في حين ان الديموقراطية ومصلحة الوطن والمواطن تقضي بأن يسمي كل طرف مرشحه للرئاسة ويكون مجلس النواب المكان الطبيعي للمنافسة، وهو ما كان يحصل في الماضي تطبيقا للدستور وللنظام الديموقراطي، وليس كما يحصل اليوم، اذ ان فئة من النواب تعطل جلسة الانتخابات الرئاسية خوفا من فوز مرشح لا يعجبها. ولو قبل نواب في الماضي بما يفعله نواب اليوم لما اكتمل نصاب جلسة انتخاب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية بل كان عطل نصابها مؤيدو المرشح الياس سركيس. فهل بات انتخاب رئيس للجمهورية يتم بالاتفاق عليه خارج مجلس النواب لتصبح عملية انتخابه داخل المجلس صورية فحسب؟

لذلك يجب العودة الى الاصول الدستورية والديموقراطية بحيث انه عندما لا يتم التوصل الى اتفاق على مرشح للرئاسة يفوز بالتزكية ولا على مرشحين اثنين او أكثر يمثل كل واحد منهم خطا سياسيا وتكون الكلمة الفصل بينهم للأكثرية النيابية المطلوبة، فإن الاحتكام الى الدستور والى النظام الديموقراطي يصبح هو المخرج وذلك بدعوة مجلس النواب الى عقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية تصوّت فيها الاكثرية النيابية لمن تشاء من بين مرشحين معلنين وغير معلنين. أما ان يظل طرف يصر على انتخاب مرشحه او يعطل النصاب، فليس هذا من الديموقراطية في شيء، ولا هذا ما نص عليه دستور أي دولة في العالم، فلا خروج اذا من أزمة الانتخابات الرئاسية عند تعذر الاتفاق على مرشح واحد بسوى النزول الى مجلس النواب لتصوّت الاكثرية النيابية المطلوبة للمرشح الذي تريد.