IMLebanon

من الطفل الأميركي «ألَكْسْ» إلى الطفل السوري «عمران»

يمرّ علينا جميعاً، حينٌ من الأيام، تستولي على أذهاننا وعلى مكامن الإدراك في عقولنا، صورة أو صور مؤثرة ولافتة، تعْلَقُ في جوارحنا ومكامن الإحساس في قلوبنا ونفوسنا وضمائرنا، وأنا شخصياً، ترافقني تلك الصور التي يُدْخِلُها التلفزيون ووسائل التواصل الإجتماعي إلى بيوتنا وأماكن تواجدنا المختلفة، عنيت على وجه الخصوص، صور أولئك الأطفال الذين لفظهم البحر أمواتاً، وأولئك الذين انتشلوا من تحت الأنقاض، شهداء في بدايات طفولتهم، حتى لاقتحمت صور بعضهم العالم كلّه، وصولا إلى ذلك الطفل الأميركي ألكْسْ «البالغ خمس سنوات من العمر»، والذي وجّه عبر الإعلام الواسع، رسالة إلى رئيسه أوباما، يناشده فيها أن يدعو الطفل السوري عمران، الذي شاء قدره أن يُنقَذَ من تحت الأنقاض وأن يبقى على قيد الحياة، وقد أظهره الإعلام آنذاك بوجهه الصبوح الذي ملأته الدماء، ونظراته السارحة في الفضاء الذي أحاط به، وقد غمره الذهول المعبّر والمؤثر، وكأنما هو واقف وروحه البريئة على أبواب ملكوت السماوات والأرض، مرشَّحاً إلى ولوج العالم الآخر، ومشروعاً لجثّة طفل يغازلها الموت، وهي لفرط ما اعتراها من ذهول، لا تستطيع أن تأبه إلى حياة ولا إلى موت، وها هي صورة الطفل عمران، ترسَخُ في ذهن ذلك الطفل الأميركي الحافلة بمكامن الشعور والإحساس الإنساني، بحكم طفولته وبراءة فكره وتقديراته، ولم يجد من يتوجه إليه بأحاسيسه تلك، إلا ذلك الرئيس الأميركي الراحل أوباما، يناشده من مدخل الطفولة وبساطة رؤياها، ان يستقدم عمران إلى الولايات المتحدة، ليكون بمثابة رفيق له يزامله في ما تبقى لكليهما من أعوام الحياة المديدة والمستقبل الآمن. أنظروا إلى من توجّهَتْ تلك الأحاسيس والمطالب الطفولية البريئة، إلى أوباما، الذي ليس في هذه الدنيا من يحمل مسؤولية موت الكبار والصغار مثل هذا الرئيس الذي شاء هذا الطفل الأميركي دونما قصد منه ولا محاسبة له، أن يشدّ بهذه الرسالة الطفولية على بقايا ضمير أوباما المتذبذب، وها نحن أمام نتائج سياساته التراجعية بل التآمرية الهاربة إلى التغطّي بشريكها الرئيس الآخر، بوتين، حيث أن الأول «أوباما»، يمثل جملةً من المواقف التآمرية والخبث المتخفّي، والآخر «بوتين» ينفّذ جملةً من الأفعال الإجرامية والبربرية التي لم يعرف العالم وحشية تماثلها منذ الجرائم اللاإنسانية الكبرى التي طاولت العالم بأسره خلال وبعد الحرب العالمية الاخيرة وما رافقها من مجازر، وباتت المدن والقرى السورية مسرحا لتمكين الرئيس الروسي، و«الضمير الأميركي الأوبامي»، من كلّ هذا الكمّ من الجرائم العظمى، وآخر طبعاتها المأساوية ما يدور في هذه الأيام بالذات في مدينة حلب، التي أمّحت معالمها من الوجود وأصبحت مدينةً أخرى لا علاقة لها بمعالم تلك المدينة التاريخية الحافلة بالممارسات الإنسانية الحضارية التي عرفت عن أهلها ومواطنيها، والآثار المذهلة بعراقتها ورفعة تصنيفها، والتي لبث العالم بأسره في جملة المفاخرين بتراثها الباهر، فإذا بها مع شعبها المحاصر بين خيار الموت والدمار، وخيار التهجير والتشريد وتغيير المعالم البشرية والسكانية لأبناء تلك المدينة الشهباء وتلك المنطقة المتشبثة بأرضها ووجودها وتاريخها، والرافضة لكل هذه المؤامرات المتلاعبة في هذه الأيام العصيبة، بالخارطة السورية ومعالمها السكانية والإنسانية. بكل بساطة وكل استغراب واستهجان، لم تعد معالم التغيير في الخريطة السورية محصورة بتقسيمها إلى مواقع ودول وإتنيات وأقليات، فهي تسعى الآن لمزيد من تحقيق أهدافها الإجرامية وصولا إلى إلغاء الأكثريات السورية القائمة وتفتيت أسسها وأعمدتها المتماسكة على مرّ التاريخ، وتحقيق الطموحات والتوقعات والآمال والمطامع الفارسية والمذهبية على أرضٍ لطالما فاخرتْ بأنها قلب العروبة النابض. جرائم ضد الإنسانية يرتكبها الغزاة الروس ضد سوريا شعبا وأرضا ومؤسسات، والعالم بكثير من مواقعه الكبرى، غافلٌ او مستغفلٌ نفسه أمام ما يشهده بأم العين من موبقات تُنفّذُها الطائراتُ الروسية عن سابق تصور وتصميم بوحشية لا توصف، وها هي المؤامرة الكبرى تتكشف بكل مداها الإجرامي وكل أهدافها الإستعمارية والطائفية المستحدثة.

تحية إلى الطفل الأميركي «ألكْسْ» الذي يدعو الطفل السوري عمران إلى الإقامة معه في بيته في أميركا، وما أبعده بطهارته ونقاوته وأحاسيسه الإنسانية الحقيقية عن ذلك الرئيس الراحل الذي يتابع عملية استعداء الشعوب العربية والإسلامية وبكل وسائله المتلطّية والمتخفّية وأسلوبه التمثيلي الذي تحوم من حوله أكثر من شبهة وأكثر من تهمة.

ويا أيها المجتمع الدولي، الصامت الأكبر وسط أهوال الموت والدمار، ملتهماً ما أمكنه من بشر وحجر ومدن وقرى، وقيم ومبادئ، إنه مجتمع أكَلَ الصدأُ ضمائرَه وخرّبتها المصالحُ والمنافع، ويا أيتها الدول «العظمى» التي أجرمت إلى هذا الحد المقيت بحق شعوبنا، نواجهها بالقول المأثور الذي استولدته حكمة الحكماء في بلادنا: الدهر يومان… يوم لك ويوم عليك.