IMLebanon

الإمتناع عن توقيع المرسوم: صلاحيّة أم مخالفة للقانون؟

نُقل عن رئيس الجمهورية أنه لن يوقّع أيّ قانون يمدّد للمجلس النيابي الحالي. وأنه إذا خُيِّر بين التمديد والفراغ سيختار الفراغ.. كما نُقل عنه أنه لن يوقّع مرسوماً يتّصل بانتخابات تُجرى على أساس قانون الستين.

في موضوع التمديد لمجلس النواب، هل يستطيع رئيس الجمهورية بما يملك من صلاحيات منع هذا التمديد؟

بدايةً، ومن الزاوية السياسية، لا يبدو أنّ فرضية الذهاب الى تمديد جديد للمجلس مطروحة بشكل جدي، بل هي مستبعَدة كلّياً، وإن كانت هذه الفكرة ما تزال تدغدغ أذهان البعض، ولكنّ غالبية القوى السياسية الأساسية على اختلافها قد حسمت موقفها رفضاً لهذا التمديد. وألزمت نفسَها بخطوات تصعيدية حياله في ما لو طُرح.

كما أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري قال صراحة إنه لن يطرح هذا الأمر على بساط البحث المجلسي أيّاً كانت الظروف والأسباب والمبرّرات، بل إنه قد لا يفتح باب المجلس أمام هذا «الضيف الغليظ»: «غلطنا ومدّدنا في السابق، ولن نكرّر الغلط».

وأما من الناحية التقنية التشريعية، فإنّ رئيس الجمهورية لا يستطيع أن يمنع «التمديد»، إذا ما قرّر المجلس النيابي إصدار قانون لهذه الغاية.

المنطق الرئاسي يقول إنّ رئيس الجمهورية يرفض الابتزاز عبر فرض معادلة «الستين أو التمديد»، ويذهب هذا المنطق الى القول بأنهم إذا أرادوا الذهاب الى التمديد، فرئيس الجمهورية يستطيع من خلال صلاحياته الدستورية وقف عقد الجلسات النيابية لمدة عقد كامل. الرئيس قادر على وقف الانتخابات النيابية إذا كانت على أساس الستين، لأنّ إجراءها يتطلّب مرسوماً عادياً لا يصبح نافذاً إلّا بتوقيعه».

هنا ماذا يقول الدستور؟

قد لا يكون للكلام الرئاسي أيّ مفعول حقيقي، ذلك أنّ المادة 59 من الدستور، تعطي الحق لرئيس الجمهورية بتأجيل انعقاد المجلس الى أمد لا يتجاوز شهراً واحداً فقط. وليس لمدة عقد انعقاد كامل، كما أنها لا تعطيه الحق في أن يفعل ذلك مرّتين في العقد الواحد.

ومعلومٌ هنا أنّ المجلس يجتمع (كهيئة عامة تشريعية) في عقدَين عاديَّين أمد كلّ منهما شهرين ونصف، يبدأ الأول في أوّل ثلثاء بعد الخامس عشر من آذار وينتهي في آخر أيار. ويبدأ الثاني في أوّل ثلثاء بعد الخامس عشر من تشرين الأول وينتهي آخر السنة.

وهنا حتى لو استخدم الرئيس حقه بالتأجيل شهراً، فهذا التأجيل جزئي ولا يسري على كامل العقد، وبالتالي لا يستطيع أن يمنع المجلس من التشريع في المهلة المتبقّية، حيث يبقى أمام المجلس شهر ونصف ويستطيع من خلالها أن يشرّع ويقرّ أيّ قانون، سواءٌ كان يرمي الى التمديد أو غير ذلك.

أما بالنسبة الى الحديث عن صلاحية الرئيس بمنع صدور القانون سواءٌ كان قانون تمديد أو غيره، فصلاحيات رئيس الجمهورية محدودة في هذا المجال، ربطاً بالمادتين 56 و57 من الدستور.

فالمادة 56 تحدّد مهلة إصدار القانون العادي – أيّ قانون عادي – بشهر، بعد إحالته من المجلس النيابي الى الحكومة. وتوجب على رئيس الجمهورية إصداره خلال هذه المهلة. كما تحدّد مهلة إصدار القانون الذي يتّخذ المجلس قراراً بوجوب استعجال إصداره، فتوجب على الرئيس إصداره خلال 15 يوماً. أي أنّ الرئيس في هاتين الحالتين ملزمٌ بالنشر دستورياً.

أما المادة 57، فهي تعطي لرئيس الجمهورية حقّ طلب إعادة النظر في القانون (المُحال اليه للنشر) مرة واحدة ضمن المهلة المحدَّدة لإصداره. وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حلّ من إصدار القانون الى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة ثانية وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلّفون المجلس، أي 65 نائباً.

وفي حال انقضاء المهلة دون إصدار القانون أو إعادته (الى المجلس)، يُعتبر القانون نافذاً ووجب نشره. أي إنّ أقصى ما يقوم به الرئيس ربطاً بهذه المادة هو إعادة القانون الى المجلس الذي تبقى له الكلمة الفصل في النهاية سواءٌ بالاستجابة لطلب الرئيس فيعيد النظر بالقانون أو بالإصرار عليه كما أحاله الى الرئيس قبل الإعادة. ويتوجّب نشره.

أما في ما خصّ صلاحية رئيس الجمهورية في منع إجراء الانتخابات النيابية، بعدم توقيعه مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، فهذا يفتح على تسجيل بعض الملاحظات:

– قانون الستين، سواءٌ أكان البعض يعتبره جيداً أو مثالياً أو غير ذلك من الصفات الحسنة، أو كان في نظر البعض الآخر في منتهى السوء. هو قانون نافذ شأنه شأن كلّ القوانين النافذة الأخرى، التي ينبغي التقيّد بأحكامها. ما لم يكن هناك قانون بديل.

– عدم احترام هذا القانون، لا يبدو منسجماً بالدرجة الأولى مع «يمين الإخلاص للأمة والدستور» الذي يحلفه رئيس الجمهورية بعد انتخابه أمام البرلمان. وفيه «أحلف بالله العظيم أن أحترم دستور الأمة و«قوانينها» وأحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه».

– عدم احترام هذا القانون، لا ينسجم بالدرجة الثانية مع «خطاب القسم»، الذي ورد في متنه على لسان رئيس الجمهورية، تأكيده «على تأمين استقرار يتوق اليه اللبنانيون، وأوّل خطوة نحو الاستقرار المنشود، هي في الاستقرار السياسي، وذلك لا يمكن أن يتأمّن إلّا باحترام الميثاق والدستور و«القوانين»..».

تبعاً لما تقدّم تحضر الأسئلة التالية:

– ماذا يعني أن يقرّر رئيس الجمهورية الامتناع عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة؟

– هل هو قرار «سياسي» أم قرار جدّي ونهائي؟

– هل ينطوي هذا الموقف على محاولة، أو رغبة بفرض أعراف جديدة على صلة بالصلاحيات؟ وهل يؤشر ذلك الى ما هو مكنون أي الى الرغبة الكامنة في إعادة تحريك ملف الصلاحيات الرئاسية في وقت ما، والتأكيد على ضرورة توسيعها وتعزيزها؟

– قانون الستين هو قانون نافذ، ألا يُعتبر امتناعُ رئيس الجمهورية عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات بناءً على احكام هذا القانون، مخالفةً صريحة وواضحة للقانون؟

– هل سبق للبنان أن شهد سابقة من هذا النوع؟

– لماذا يسجّل رئيس الجمهورية عليه هذه السابقة وهذه المخالفة؟

– إذا كان القصد من الكلام الرئاسي هو حثّ القوى السياسية على الإسراع في إعداد قانون جديد للانتخابات بديل عن قانون الستين، لكن أليس مجرّد أن ينطق رئيس الجمهورية بإعلان عزمه على الامتناع عن التوقيع، يسجّل على نفسه مخالفةً صريحة للقانون، إن لم يكن أكثر من ذلك؟

– أيّ رسالة يوجّهها الامتناع عن توقيع المرسوم لمَن لهم صلاحية التوقيع على المراسيم سواءٌ رئيس الحكومة أو الوزراء المختصين؟ ألا يعطيهم هذا الامتناع مبرّراً ليستنسخوا هم بدورهم هذا الامتناع في مراسيم أخرى متعلّقة بأمور قد لا تعجبهم؟

– هل تمّ تقدير نتائج وعواقب وتداعيات قرار بهذا الحجم؟

– ماذا لو صحّ وعجزت القوى السياسية عن الوصول الى قانون انتخابي جديد، والرئيس امتنع عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات النافذة كما يوجب ذلك قانون نافذ، ألا يعني ذلك أنّ الولاية المجلسية الحالية ستنتهي، ويصبح البلد بعد 20 حزيران 2017 بلا مجلس نيابي إن لم تُجرَ الانتخابات النيابية قبل هذا التاريخ حتى على أساس قانون الستين؟ وكيف ستنطلق عجلة الدولة والمؤسسات بعد ذلك وعلى أيّ اساس؟

والى أين يمكن أن يوصل الفراغ النيابي إن سقط البلد فيه؟ وما هو مصير الحكومة، وكيف ستحكم بلا رقيب أو حسيب؟ وأيّ مأزق سيدخل فيه البلد، وما مهو مصير النظام برمّته؟

– إن امتنع رئيس الجمهورية فعلاً عن التوقيع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، هل في إمكان مجلس الوزراء، وتفادياً للفراغ أن يتّخذ قراراً بهذا المعنى؟ أما بالنسبة الى هيئة الإشراف على الانتخابات ألا يستطيع مجلس الوزراء في جلسة برئاسة رئيس الحكومة أن يعيّن الهيئة، وحتى ولو كان رئيس الجمهورية معارضاً هذا التعيين، هل يستطيع أن يمنعه؟

واضحٌ أنّ القوى السياسية الأساسية قرّرت مقاربة الموقف الرئاسي بالامتناع عن توقيع المرسوم، من زاوية محاولة الضغط الإيجابي لإنجاز قانون انتخابي جديد دون الغرق في جدل حول الصلاحيات الرئاسية وحدودها.

وهناك مَن يتفهّم من هذه القوى أن يذهب رئيس الجمهورية الى المدى الذي يريده، هو اختار هذا الباب للضغط، والغالبية الساحقة من اللبنانيين معه في هدف الوصول الى قانون انتخابي جديد يعدم قانون الستين نهائياً.

ولكن هناك مَن يقول في المقابل إنه طالما أنّ الامور قد ذهبت الى المدى الابعد في الطروحات، فقد كان في إمكان الرئيس ولتحقيق الهدف المنشود أن يلج باباً آخر لا يثير من خلاله أيّ التباسات، كأن يقدّم تكتل التغيير والإصلاح اقتراحَ قانون معجّل مكرّر، يرمي الى وقف العمل بقانون الستين، ويدعو الى التصويت عليه في مجلس النواب.. فهو هنا يمارس أعلى درجات الضغط، وإن تمّ التصويت على الاقتراح فإنه يذهب بالجميع الى طاولة البحث الجدّي عن قانون جديد كالذي ينادي به عادلاً ويؤمّن التمثيل الصحيح!