IMLebanon

جمهورية الفساد.. من جيوب المواطنين

التأم مجلس الوزراء فعالج بالمسكنات وبالفلسفة النظرية بعض الملفات الحياتية التي تهم الناس كوضع آلية مالية لترحيل النفايات على فترة عشر سنوات بكلفة اجمالية تفوق الـ 500 مليون دولار أميركي ودفع أجور شركة أوجيرو وصرف رواتب الأساتذة المتعاقدين. واذا كان مجلس الوزراء مرَّ على خير رغم بعض المناوشات بين الوزير صعب ووزير المالية علي حسن خليل الذي أطلق صفارة إنذار أخيرة سببها أنَّ وضع مالية الدولة أصبح على شفير الهاوية وتجاوز كل الخطوط الحمر بكل المعايير، فقد لقي كلامه آذاناً صاغية لدى الوزراء المجتمعين حيث أن مسألة زيادة الضريبة على سعر صفيحة البنزين بدأت تدغدغ مشاعر الوزراء المعنيين من أجل الحصول على أموال بصيغة فورية، خصوصاً في ظلّ تراجع سعر الصفيحة إلى ما دون الـ 20 ألف ليرة. وعلى المستوى السياسي، يبدو أنّ البحث يتمحور حول زيادة قدرها 3000 ليرة على سعر صفيحة البنزين لإيجاد حل وسط لإقتراح الرئيس فؤاد السنيورة الذي أوصى بزيادة قدرها 5000 ليرة، بهدف تمويل كلفة تثبيت متطوعي الدفاع المدني التي تبلغ نحو 30 مليار ليرة سنوياً، إضافة إلى تمويل جولة الانتخابات البلدية بعد موافقة الحكومة على صرف 31 مليار ليرة لتمويلها.

وبهذا تكون الدولة قد وضعت آلية عشوائية وفي حال فرضت زيادة تصل إلى 3 آلاف ليرة، لأن الدولة سوف تجبي أكثر من 150 مليون دولار سنوياً بينما هي بحاجة فقط الى 40 مليون دولار المخصّصة لتمويل الانتخابات وتثبيت متطوعي الدفاع المدني وببساطة فإن السؤال المشروع هنا هو أين سيذهب الفائض من فرق هذه الضرائب المكتسبة والذي يقدر ب 110 ملايين دولار سنوياً؟

البعض يقول أن الأموال سوف تذهب لترحيل النفايات والبعض الآخر يتكهن بأنها سوف تسند لسد احتياجات الرواتب والأجور! ولكن في النهاية ما من مشروع مالي محدد الغايات خاصة في غياب موازنة مالية وهذا كله يؤكد على عدم الشفافية في معالجة الملفات الحياتية بل الذهاب الى أبعد مدى في الاستخفاف تام في استنباط الحلول العشوائية مما يحتم استمرار الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الوطن بل يضعها في تفاقم مستمر، ويؤكد عجز الحكومة عن التوصل إلى حلول ناجعة، لا سيما مع زيادة النفقات المالية وخصوصاً العسكرية منها، كما تغطية الرواتب الشهرية للقطاع العام المهدد والعرضة دائماً لإبتزاز السياسيين من أجل تمرير صفقاتهم على القاعدة الأثني عشرية، وكل هذا بالتزامن مع انخفاض الدخل القومي وضعف في النمو الاقتصادي وزيادة في عجز الموازنة وتفاقم الدين العام الذي لامس الـ 70 مليار دولار اميركي.

وبالتالي فإن الحلول الجذرية لا بد أن تنبع من السياستين المالية والنقدية اللتين يجب أن تتكيَّفا مع هذا الحدث المربك ومع أهمية معالجة الأزمة قبل تفاقمها وزيادة حجم العجز فيها، على أن لا تكون تلك الحلول ترقيعية وغير مدروسة كما هو الحال لتؤدي إلى ظهور موجات تضخمية في الاقتصاد وتضغط على جيوب المواطنين من خلال فرض ضرائب تثقل كاهلهم وكل هذا سببه سوء التخطيط، وانعدام الرؤية الإستراتيجية طيلة السنوات الـ 12 الماضية، التي حرمت الوطن من بناء اقتصاد داخلي متماسك وقوي، وآلت الى عدم تفعيل المؤسسات الإنتاجية، مع إبقاء اقتصاد البلد معتمداً على الضرائب المباشرة وغير المباشرة. كما أن الحركة الصناعية ليست بأحسن أحوالها لتساند الاقتصاد الوطني كما أن السياحة بدورها شبه مشلولة والحركة التجارية هي معطلة والحكومة ما زالت تتخبط في معالجة الملف البيئي. أما موضوع الكهرباء ومياه الشفة فحدِّث ولا حرج، رغم أن قطاع الكهرباء أُنفق عليه مليارات من الدولارات، لكنه لا يزال متعثراً، بسبب الفساد وسوء التخطيط رغم أن انخفاض سعر برميل النفط عالمياً كان يجب أن ينعكس ايجابياً على الفاتورة النفطية وبدوره يعكس ارقاماً عالية في زيادة توليد وبيع الكهرباء. ولكن أين نحن من كل هذا؟.

ومن الطبيعي أن الفساد المالي والإداري أحد أبرز الأسباب الرئيسة وراء تدهور الاقتصاد الوطني، وبسببه تعطل تنفيذ آلاف من المشاريع الاقتصادية، والتنموية، والصناعية والخدماتية في جميع المحافظات اللبنانية. كما أن معالجة العجز المالي، لن تحقق أهدافها طالما لم تضع الحكومة حلولاً جذرية لإيقاف الفساد المالي الذي يتسبب بهدر مليارات من الدولارات على حساب خزينة الدولة. وكما يبدو فإن الحكومة تعيش في كوكب آخر، وتقدم حلولاً عشوائية غير مدروسة لأسعار المحروقات بعيدة كل البعد عن تطور أسعار النفط ومشتقاته في الأسواق الدولية، ونؤكد للمرة الألف أن الحكومة تتمسك بهذا الملف والذي حولته إلى بقرة حلوب تستنزف من خلاله مدخرات المواطن الذي ما زال يسدد فاتورتين للكهرباء الخاصة منها والعامة، ولا تلتفت الدولة إلى انعكاسات ذلك على الاقتصاد والمستثمرين وجمهور المستهلكين، ومع كل ذلك نسمع بتصريحات للمسؤولين يتحدثون عن الاهتمام ببيئة وتشجيع الاستثمار، وتحسين مستويات معيشة المواطنين، ويؤكدون أن الشفافية والمصداقية هي المعيار والحكم في قرارات الحكومة، أما مسألة حاجة الخزينة من الأموال، فإن زيادة الضرائب، ورفع الأسعار والرسوم على المواطنين والمستثمرين هي الخطة الأولى الموضوعة على الأجندا السياسية وهي بدورها لن تؤدي إلى تخفيض الدين العام، ولن تقلص عجز الموازنة، لأنه كلما زادت الضرائب والرسوم العشوائية من دون مردود في الخدمات تقلص معها دخل الفرد ويرتفع الدين العام ليعكس عجز الموازنة ويتقلص النمو. وهذا سببه بأن مزاريب الدولة كثيرة وقنوات الإستثمار العامة تذهب إلى جيوب الأزلام والفاسدين…مرة أخرى إن السياسات المالية المتبعة هذه لن تخدم الاقتصاد الوطني بل سوف تدفعه إلى الوراء مع أننا وصلنا الى الدرك الأسفل!!!