IMLebanon

«الستّين» يُحتَضَر… و«النسبي»يُحضَّر

فعَلها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحسَم الموقف من قانون الانتخاب، حسبما توقّعت «الجمهورية»، أمام أعضاء السلك الديبلوماسي العرب والأجانب، مشدّداً على إقرار قانون انتخاب يعتمد النظام النسبي لأنه «يؤمّن صحة التمثيل وعدالته للجميع». وبهذا الموقف فتح عون معركة قانون الانتخاب على نطاق واسع وستتوالى وقائعُها وفصولها في قابل الأيام على كلّ المستويات…

موقف عون هذا هو بمثابة إعلان «وفاة» قانون الستين، في انتظار «دفنه» بإقرار القانون الجديد الذي يعتمد النظام النسبي، خلال الدورة التشريعية الاستثنائية التي حدّد مشروع قانون الموازنة العامة وقانون الانتخاب في مقدّم جدول اعمالها، وهي تنتهي في 20 آذار المقبل حيث يكون بدأ العَقد العادي الاول للمجلس والذي قد يكون له عقد ثانٍ في حال جرت الانتخابات في مواعيدها قبل انتهاء الولاية النيابية في 20 حزيران المقبل، او حتى في حال حصل تمديد تقني للمجلس حتى ايلول يمكن ان يفرضَه القانون الجديد.

ولذلك فإنّ «العرض التشريعي» سيبقى مفتوحاً بلا توقّف، ما يعني انّ إقرار القانون الانتخابي بات على همّة القوى السياسية بكلّ كتلِها النيابية، وسط تساؤل عن مدى قدرتها في التوافق على صيغة هذا القانون وتقسيماته الانتخابية، لأنّ العاملين المعلومين والمجهولين للإبقاء على قانون الستين قد لا يلقون اسلحتَهم بسهولة، والتسليم باعتماد النظام النسبي الذي يرون فيه «تهديدا» لمستقبل مواقعِهم في الحياة السياسية.

ويرى البعض انّ عون غلّفَ موقفه بما يشبه التطمينات للمهجوسين والخائفين من «النسبية»، فكلامُه في شقّه الاول يؤكد التزامَه خطاب القسم إقرار قانون انتخاب جديد تجرى الانتخابات المقبلة على اساسه، إذ بغير هذا الالتزام قد يعرّض صدقية عهده للاهتزاز، ولذلك حدّد هذا القانون، والانتخابات اولى الاولويات، بقوله: «أولى اولوياتنا تنظيم انتخابات نيابية وفق قانون جديد يؤمّن التمثيل الصحيح لكافة شرائح المجتمع اللبناني، ما يوفّر الاستقرار السياسي».

أمّا التطمين الذي انطوى عليه موقفه فتعكسه دعوته غير المباشرة للجميع الى التنازل لمصلحةِ تحقيق «صحة التمثيل النيابي وعدالته للجميع»، وذلك بقوله: «أمّا تخوّف بعضِ القوى من قانون نسبي فهو في غير محلّه، لأنّ وحده النظام الذي يقوم على النسبية يؤمّن صحة التمثيل وعدالته للجميع، قد يخسر البعض بعض مقاعدهم ولكنّنا نربح جميعاً استقرار الوطن».

تأسيساً على موقف عون هذا، يفترض ان يتمّ إقرار هذا القانون خلال العقد التشريعي الاستثنائي الجاري والذي ينتهي في 20 آذار المقبل، ولكن ثمّة مَن لا يستعجل «الاحتفال» في هذا المجال، لأنّ التوصّل الى قانون بالمواصفات التي حدّدها رئيس الجمهورية قد يكون دونه كثير من العثرات والعقبات، وربّما التعقيدات و«الفيتوات» من هنا وهناك، خصوصاً أنّ «محبّي» قانون الستين ليسوا ضعفاء، وإن كانوا يُظهرون «المرونة» بدعواتهم الى قانون انتخاب جديد من حيث المبدأ، وبعضهم يريد هذا القانون نسخةً منقّحة عن «الستين» او ان يكون هذا الاخير مُجمَّلاً ليقال انه قانون جديد، وليس الستّين «الملعون» عملياً يُعتبر المشروع الذي اعدّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اولَ مشاريع القوانين الانتخابية التي تَعتمد النظام النسبي بشمولية على اساس لبنان 13 دائرة انتخابية، وبعده فرّخَت المشاريع التي تَخلط بين النظامين الاكثري والنسبي والقانون الارثوذكسي وغيره، ولكن أيّ منها لم يبصِر النور.

والسؤال الذي يطرحه كثيرون الآن هو كيف سيترجَم موقف عون الذي لاقى استحساناً بل ترحيباً ملحوظاً لدى كلّ مؤيّدي النسبية، وحذراً لدى مؤيدي المشاريع الأُخرى من «ستّين» وغيره؟وهل سيقبل العاملون على إبقاء قانون الستين حيّاً بالنسبية التي قصَدها عون، وهي النسبية الكاملة؟

المتداوَل في اوساط مؤيّدي النسبية هو انّ القانون العتيد سيكون مختلطاً، بمعنى التأهيل على اساس النظام الاكثري اي تَنتخب كلّ طائفة نوابَها بما يؤهّلهم الى خوض الانتخابات بحسب النظام النسبي على اساس دوائر كبرى قد تكون المحافظات الخمس التقليدية او مجموعة دوائر كبرى.

والمتداوَل ايضاً انّ نسبة الأصوات المطلوب ان ينالها المرشّح ليتأهل الى الانتخاب على اساس النظام النسبي في الدوائر الكبرى لم يُتّفق عليها بعد، فهناك مَن يقترح ان تكون هذه النسبة عشرة في المئة، وهناك من يقترح ان تكون 20 في المئة أو أكثر من عدد اصوات الناخبين، ويرجّح البعض ان ترسوَ هذه النسبة على عشرة في المئة، لضمان تمثيل اوسع الشرائح في المجلس النيابي.

ولكن ما يثير الريبة انّ بعض القوى التي تطرح ان تكون نسبة التأهيل عشرين في المئة وما فوق تستبطن في هذا الموقف «حرب إلغاء» لكلّ القوى والسياسيين المستقلين والذين لهم حيثياتهم التمثيلية وقيمتهم الاعتبارية للاستحواز على مقاعد نيابية من لون واحد حتى داخل كلّ فريق او تحالف بين مجموعة افرقاء.

وفي المقابل أيضاً هناك فريق أو أفرقاء يرفض النسبية كلّياً او جزئياً، فيما فريق آخر يستمر في التمسّك بالمختلط، وهو ما عبّرت عنه كتلة «المستقبل» في ختام اجتماعها امس، في الوقت الذي كان رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل يلتزم بعد اجتماع تكتّل «التغيير والإصلاح» الموقفَ الذي عبّر عنه عون امام اعضاء السلك الديبلوماسي العرب والاجانب.

ويعتقد كثيرون انّ معركة قانون الانتخاب الفعلية بدأت الآن وأنّ كلّ ما حصل قبلاً كان إرهاصات هذه المعركة، ولذلك سيكون الجميع امام «الجهاد الاكبر» الذي تحدّث عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهذا الجهاد هو بالمفهوم الشرعي «جهاد النفس»، لكنّه بالمفهوم السياسي هو «جهاد القوى السياسية في تقديم التنازلات المتبادلة لمصلحة لبنان.