IMLebanon

فائض في الإنتحاريين

ليس أمراً عادياً في مسلسل التفجيرات ما حدث أمس في بلدة القاع الآمنة. صحيح أنّ عدد الشهداء والجرحى هو الأقل في هكذا جرائم إرهابية، إلاّ أنه (مع ذلك) هو الأخطر في تقديرنا.

فهل من الأمر العادي والبسيط أنّ يوجه الإرهابيون قافلة من أربعة إنتحاريين  دفعة واحدة، في مهمة تسلسلية لتنفيذ عملياتهم الإجرامية. وإذا كان الأربعة قد سقطوا قتلى فمن يدري ما إذا كان هناك خامس وسادس و… عاشر؟!.

إنها حال يجدر التوقف عندها في دلالاتها وأيضاً في مبدأ العملية، ما يستدعي بضع ملاحظات نورد بعضها في الآتي:

أولاً – لا تزال المنظمات الإرهابية قادرة على غسل ادمغة الكثيرين من الشبان واستدراجهم (بالغيبي وبالملموس أيضاً) كي يضحّوا بأنفسهم وقتل الآخرين… والآخر عموماً، وفي الأكثرية الساحقة من العمليات، هو الإنسان البريء الذي لا ناقة له ولا جمل في ما يجري حوله من أحداث وتطورات.

ثانياً – إن إستهداف بلدة مسيحية آمنة في أقاصي الحدود البقاعية الشرقية – الشمالية يؤشر الى مخطط جهنمي، خصوصاً وأن أهالي القاع معروف عنهم طيب العلاقة مع الجوار، والبعد عن الصراعات إلاّ ما يأتي به الآخرون إليهم، فهم لا يفتعلون صراعاً ولا يدخلون في لعبة التحدّي.

ثالثاً – إن بلدة القاع تشبه كثيراً مناطق عكار لجهة إنتساب أبنائها الى المؤسسات العسكرية والأمنية.

رابعاً – سبق للقاع أن دفعت ثمناً غالياً جداً ولكن من دون أي موجب أو سبب، عندما إستهدفها الجانب السوري بهجمة وحشيّة في حزيران من العام 1988 إثر إغتيال الشهيد المرحوم طوني فرنجية، وثأراً لدمائه، فقط لأنّه  كان لبعض أهالي القاع علاقات  وصداقات بحزب الكتائب… ولسنا في وارد الدخول في هذه التفاصيل المؤلمة. ولقد سمعت، شخصياً، من الرئيس المرحوم سليمان فرنجية إنتقاداً شديداً، وتنديداً كبيراً بتلك الهجمة على القاع، وقد قال: وهل يردّون لي طوني أو يظنون أنهم يثأرون لدمائه باغتيال الأبرياء في القاع؟

خامساً – إن قافلة الإرهابيين الإنتحاريين الأربعة تعني من دون أدنى ريب أن لدى مشغّليهم مخططاً واضحاً وهو إستهداف بلدات ومناطق مسيحية في لبنان، ليس لسبب أو «مبرر» (ولا مبرّر إطلاقاً لهكذا عمليات) فقط لأن الأهالي مسيحيون. وهذه نقطة مركزية، أو إنها باتت مركزية يجدر التوقف عندها وعدم إسقاطها  من خطّة الأمن الوقائي. وفي تقديرنا ان وزير الداخلية نهاد المشنوق وقائد الجيش ومدير عام الأمن العام والأجهزة كافة واعية لهذه المسألة من دون أدنى شك.

سادساً – يخشى أن تكون قد بدأنا مرحلة مأسوية جديدة، وإذا كان لهذه الخشية ما يبررها، فالأجدر (في المقابل) أن تبادر السلطة إلى مخطط لبث الثقة في المقيم والمنتشر وفي السائح أيضاً بأنّ الأمن ممسوك ومتماسك وبأنّ لبنان لا يزال بخير بالرغم من خروقات هي أيضاً محسوبة.

وتحية الى أهالي القاع الذين عرفوا كيف يحصرون النتائج المأسوية لهذه الهجمات الإرهابية بأقل قدر من الضحايا… وذلك يعود الى بطولات بعضهم الذي قرر مواجهة الإرهابيين فسقط  شهيداً حاجباً بدمه البريء دماء كثيرة كانت ستسيل من أبرياء كثر.

الرحمة للشهداء والشفاء للمصابين. والصمود للقاع الباسلة.