IMLebanon

الجيش السوري يهاجم من القلمون وحزب الله سيؤازره من جهتين

تواريخ كثيرة وُضعت لمعركة جرود عرسال ومحيطها من دون أن تصحّ، وذلك على مدى نحو ثلاثة أعوام كاملة، وتحديدًا منذ الهجوم الغادر الذي حصل داخل عرسال مطلع آب 2014 وأسفر عن سقوط عشرات العسكريّين اللبنانيّين بين قتيل وجريح وأسير. فهل الحديث هذه المرّة عن قُرب إنطلاق المعركة يختلف عمّا سبق، ومَبني على مُعطيات جدّية ووقائع ملموسة، أم أنه يفتقر إلى المصداقيّة؟

مصدر أمني مُطلع على واقع الحدود الفاصلة بين لبنان وسوريا ذكّر بأنّ المنطقة الجرديّة التي يتمّ الحديث عنها شاسعة جغرافيًا، وهي شهدت سلسلة من المعارك في السنوات الثلاث الماضية، من جرود القلمون مُرورًا بجرود كل من فليطة ونحلة ويونين وبريتال والقاع وبلدة الطفيل، وُصولاً إلى كل من الزبداني ومضايا وسرغايا وبلودان، والتي إنتهت كلّها بتقلّص المنطقة التي ينتشر فيها المُسلّحون أكثر فأكثر، قبل أن يُستكمل حصار المناطق الجرديّة باتفاقات سلميّة تمّت بخصوص بلدات مضايا والزبداني وكفريا والفوعة وغيرها. وأوضح أنّه بالنسبة إلى الواقع الميداني الحالي فإنّ المنطقة الجرديّة التي يتحصّن فيها الإرهابيّون مَقسومة مَيدانيًا إلى ثلاث مناطق نفوذ، حيث يُسيطر مُسلّحو «تنظيم داعش» على تلال تقع شمال شرق عرسال وتمتد حتى جرود رأس بعلبك وجرود القاع شمالاً، بينما يُسيطر مُسلّحو «جبهة النصرة» على تلال عدّة تمتدّ بين جرود بعلبك وجرود عرسال، ويُسيطر مُسلّحو «جبهة أحرار الشام» على تلال عدّة تقع في جرود بريتال وُصولاً إلى أخرى تقع جنوب شرق بعلبك.

وأكّد المصدر الأمني نفسه أنّ إرتفاع الحديث عن قرب إنطلاق معركة الجرود يعود إلى مُعطيات سياسيّة وعسكريّة مُتقاطعة وإلى معلومات أمنيّة وإعلامية مُتداخلة، مشيرًا إلى أنّه يُوجد حاليًا تقاطع مصالح بين كل لبنان وسوريا و«حزب الله» لإنهاء هذا الملفّ. وأوضح أنّ الجانب السوري الرسمي يرغب بإستكمال مُعالجة الثغرات الجغرافية الصغيرة المُتبقيّة ضُمن مَناطق سيطرته المُتواصلة مَيدانيًا من البحر الأبيض المتوسط إلى القنيطرة،  وذلك إن عبر إتفاقات الإخلاء بشكل سلمي مع التنظيمات المُسلّحة أو عبر المعارك العسكريّة. وأضاف أنّ الجانب اللبناني الرسمي يرغب من جهته بتأمين المنطقة الحُدوديّة الحسّاسة في جرود عرسال والتخلّص من العبء الذي يُمثّله إختباء بعض الجماعات الإرهابيّة في المنطقة وتسلّلهم نحو مخيّمات للاجئين السوريّين في الداخل اللبناني وتهديدهم الدائم لبعض القرى والبلدات الحُدوديّة الآمنة. وتابع المصدر نفسه أنّ  «حزب الله» يرغب بدوره باستكمال تأمين الخط الحدودي الآمن على إمتداد الحدود اللبنانيّة – السورية من الشمال مرورًا بالبقاع وُصولاً إلى مزارع شبعا، بهدف منع أي تسلّل من سوريا إلى لبنان أو بالعكس، وهو يعتبر أنّ الوقت قد حان لإنهاء هذه الظاهرة الحدوديّة الشاذة، بعد إستكمال حصار مواقع الجماعات الإرهابيّة المُسلّحة من كل الجهات. ولفت المصدر نفسه إلى أنّ المصلحة المُشتركة بين كل من لبنان وسوريا و»حزب الله» لإنهاء ملفّ مُسلّحي الجرود تتقاطع أيضًا مع رغبة أميركيّة في هذا الإتجاه، حرصًا على إستقرار الداخل اللبناني، وهو ما نقله أخيرًا أكثر من مسؤول أميركي، ومن بينهم قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتيل الذي كانت له لقاءات سياسيّة رفيعة وجولات ميدانية على مواقع الجيش اللبناني الحُدوديّة المتقدّمة.

 وجهة الهجوم المُرتقب

وعن موعد وتفاصيل معركة الجرود، شدّد المصدر الأمني على أنّ المُحاولات التي جرت في الأسابيع القليلة الماضية بهدف إقناع المُسلّحين المُختبئين في المنطقة بالإنسحاب إلى مناطق في العمق السوري باءت بالفشل، الأمر الذي رفع فرص حسم الملفّ عسكريًا بعد سقوط آمال الحل السلمي. وكشف أنّ المعركة ستبدأ من قبل الجيش السوري ومن الجانب السوري في إتجاه الحدود اللبنانيّة، على أن يكون دور «حزب الله» فيها محوريًا، ويهدف إلى إيقاع مُسلّحي الجرود بين «فكّي كمّاشة» حيث ستُشارك بعض وحدات «الحزب» الموجودة إلى الشرق من مواقع المُسلّحين في الداخل السوري في الهجوم إلى جانب وحدات الجيش السوري، على أن تلاقيها وحدات أخرى ستنطلق من مواقع «الحزب» الجرديّة المُتقدّمة من جهة الجانب اللبناني، أي الموجودة إلى غرب مواقع المُسلّحين في الجرود.  ولفت المصدر نفسه إلى أنّ مهمّة الجيش اللبناني الأساسيّة ستتمثل في منع إنسحاب أيّ من المجموعات الإرهابيّة نحو الداخل اللبناني، بخاصة منعها من التسلّل نحو مخيّمات اللاجئين في جرود عرسال، باعتبار أنّ هذه المنطقة تُعتبر «الخاصرة الرخوة» والخالية من أي وجود لمقاتلي «حزب الله» لأسباب مُرتبطة بحساسيّات طائفيّة ومذهبيّة بخاصة بالشأن اللبناني الداخلي، مُشيرًا إلى أنّ قيادة الجيش حازمة في منع تسلّل أيّ مُسلّح نحو الداخل اللبناني، منعًا لنقل المُشكلة من الحدود إلى داخل عرسال! وتابع المصدر أنّ المعركة لا يُمكن أن تنتهي خلال بضعة أيّام، بسبب صُعوبة الإمداد اللوجستي إلى القوى المُهاجمة في هذه المنطقة الوعرة جغرافيًا، وكذلك بسبب وسع مساحتها الجغرافيّة، لكنّه توقّع أن يكون التقدّم الميداني فوريًا وتصاعديًا، في ظل وُجود آمال كبيرة بأن لا يُقاتل المُسلّحون حتى الرمق الأخير، بل  يُسارعوا بعد أيّام من إنطلاق المعركة، وما أن يشعروا أنّهم صاروا عمليًا واقعين بين «فكّي كمّاشة» تُطبق عليهم تدريجًا، إلى الرضُوخ والمُوافقة على شروط إنتقالهم من دون أسلحة برعاية وبضمانات دَوليّة إلى مناطق في الداخل السوري خارج سيطرة النظام، لأنّ معركتهم خاسرة حتمًا حتى لو طالت لبضعة أسابيع. وكشف المصدر أيضًا أنّ أحد أهمّ أهداف المعركة في أيّامها الأولى سيكون قطع التواصل الجغرافي بين مواقع المُسلّحين من جهة ومخيّمات اللاجئين في عرسال وجرودها من جهة أخرى، بالنار في البداية ثم ميدانيًا في مرحلة تالية.

وختم المصدر الأمني المطلع كلامه بالقول إنّ موعد المعركة لا يملكه سوى أصحاب القرار الأعلى بالتنفيذ، مُشيرًا إلى أنّ الحديث عن إنتظار إنتهاء شهر رمضان الكريم لإنطلاق الهجوم غير صحيح، حيث أنّ «ساعة الصفر» مُرتبطة بمُعطيات ميدانيّة تنفيذية من جهة، وبمفاوضات سياسيّة سرّية من جهة ثانية لم يُفقد الأمل منها كليًا بعد، على الرغم من تراجع أسهمها كثيرًا في الأيّام القليلة الماضية، لصالح إرتفاع إحتمالات الحسم العسكري في أيّ مرحلة يرتئي أصحاب القرار أنّها مناسبة لذلك.