IMLebanon

إتّفقوا… وطارت «الكوتا» النسائية

الكوتا، الكوتا، الكوتا… بُحَّت أصواتُ الجمعيات النسائية وهي تطالب بالكوتا. «وعالوَعد يا كمّون»، أيَّد المطالبَ النسائية كبارُ السياسيين، ولكن ها هو قانون الانتخابات النيابية الجديد على طاولتَي مجلسَي الوزراء والنواب لا يَذكر الكوتا، بينما يحرص على إعادة إفراز الموجودين أنفسهم. وهل نحلم بأن يقِرّ الذكور المستأثرون بالسلطة كوتا تَحرم 30 في المئة منهم من مقاعدهم وتحجزها للنساء؟!

صحيح أنّ النساء في لبنان يحق لهنّ بحسب القانون أن يحظينَ بكامل المقاعد السياسية النيابية والوزارية، تماماً مثلما يسيطر عليها الرجال اليوم، ولكن في الحقيقة تشكّل النساء أكثر من نصف الشعب اللبناني عددياً (51 في المئة)، إلّا أنّهن ممثَّلات في مجلس النواب الحالي بـ 3.1 في المئة من المقاعد. الأسباب عديدة، وأبرزُها إصرار الأحزاب منذ فجر الاستقلال أي منذ 73 عاماً على رصّ لوائح انتخابية من الذكور متسلحين بالموروثات الثقافية.

وتجاهلَ الزعماء أنّ المنتسبات النساء إلى بعض التيارات والأحزاب السياسية في لبنان يضاهي عددَ الرجال، فلم يَسمح بعضُهم بوصول امرأةٍ واحدة إلى منصب نيابي أو وزاري، و»ربّحِت أحزاب أخرى حالا جميلة» بإيصال سيّدة أو سيّدتين كحدّ أقصى. وكأنّ المرأة اللبنانية غبيّة ومخصَّصة لعرض مفاتنها وشغلِ البيت وبعض النشاطات الاجتماعية.

نَعم، لم يدخل البرلمانَ اللبناني سوى 10 نساء في تاريخ لبنان، واقتصَر عدد الوزيرات على 8. بعض من هؤلاء وصلنَ بالوراثة السياسية لمقعدٍ أو لقاعدة شعبية ترَكها أب أو أخ أو زوج، وليس بمبادرة الأحزاب إلى ترشيحهنّ. في المقابل، أوصلت «بوسطات» ومحادل الأحزاب الانتخابية عشرات الرجال «يلّي ما حدا سامِع فِيُن»، ولم يحقّقوا أدنى الإنجازات.

المرأة اللبنانية لا ينقصها العِلم، فالأرقام تشير إلى أنّ 54 في المئة من خرّيجي الجامعات اللبنانية من النساء، وطبعاً لا ينقصها الطموح، فعلى رغم كلّ الموروثات الثقافية البالية التي تعيق تطوّرَها تمكّنت من اختراق ميادين عديدة كانت حِكراً على الرجال، وأبرزُها القضاء، حيث تشكّل النساء حاليّاً حوالي النصف.

وعود في الهواء

تؤكّد التجارب العالمية أنّه من شِبه المستحيل على النساء دخول عالم السياسة وصناعة القرار دون إقرار كوتا مرحلية تحجز لهنّ عدداً من المقاعد، وتُدخِل عادةَ ترشّحِ النساء في الذهنيات، لذا اعتمدتها أكثرُ من 86 دولة أجنبية وعربية تأميناً للديمقراطية.

رئيس الوزراء سعد الحريري، كان أوّلَ الداعمين للكوتا، وهو شدَّد قائلاً «لن أدخل أيَّ انتخابات إن لم يكن فيها كوتا نسائية»، بدوره أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ الكوتا النسائية ضرورية وأنّه ليس مع حجز 30 في المئة من المقاعد للنساء إنّما الثلث أي 33 في المئة.

وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، قال: «نتفهّم الكوتا الإلزامية في موضوع المرأة ونَطرح اليوم فكرة عدمِ قبول أيّ لائحة لا تضمّ العنصر النسائي». وبدوره أشار النائب جورج عدوان إلى أنّ «حقوق المرأة هي جزء من حلقة كبيرة ضمن معركتِنا من أجل تصحيح الخلل السياسي في الانتخابات النيابية ومِن ضمنها الكوتا النسائية».

في الواقع

ها هو القانون الانتخابي الجديد، لا يتضمّن تدابير تَعِدُ بوصول النساء إلى مواقع القرار في الحياة السياسية. الحريري يُعبّر عن أسفه ويقول: «كنت أنا والرئيس نبيه بري متمسكَين بالكوتا النسائية ولكن للأسف لم ننجح، وسنبقى نناضل ونحاول. وبالنسبة إلى تيار المستقبل ستكون هناك كوتا نسائية في كلّ لوائحنا الانتحابية».

أمّا الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بشخص رئيستها كلودين عون روكز فعبّرَت عن استيائها «لعدم حفظِ مشروع قانون الانتخابات الجديد حدّاً أدنى لتمثيل اللبنانيات في المجلس النيابي العتيد وعدم اتخاذ أيّ تدبير من شأنه الحدّ من تهميش مشاركة المرأة اللبنانية في الحياة السياسية».

وفي هذا الإطار، ذكّرت الهيئة الحكومةَ اللبنانية «بمضمون البيان الوزاريّ الذي حازت على أساسه على ثقة المجلس النيابي وتعهّدت فيه جميع القوى السياسية الممثَّلة، بالعمل على إدراج كوتا نسائية في قانون الانتخابات المنوي إقراره، وذلك احترامًا لأحكام الدستور والاتّفاقيات الدولية التي صادقَ عليها لبنان».

ونوَّهت «الهيئة بموقف دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الذي التزَم فيه اعتماد كوتا نسائية في كلّ لوائح «تيار المستقبل» الانتخابية، ودعَت الأحزاب اللبنانية كافةً إلى الامثتال بهذا الموقف والعملِ على ترشيح اللبنانيات على لوائحها تأميناً للتمثيل المبني على أسسِ العدالة والحقّ والمساواة. وتوجّهت الهيئة إلى اللبنانيات ودعتهنّ إلى مواجهة تهميشهنّ وإلى لعبِ دورهنّ ترشيحاً واقتراعاً».

النساء العربيات سبَقن اللبنانية

مطالبة نساء لبنان بالكوتا ليست ابتكاراً من صنعهنّ، بل إنّ معظم البلاد العربية سبَقت لبنان في اعتماد الكوتا النسائية، رافعةً نسبة تمثيل المرأة في برلماناتها إلى ما بين 25 و35 في المئة. فحتّى السعودية تُطبّق نظام الكوتا مخصِّصةً للنساء 20 في المئة من المقاعد.

ويُذكر أنّ نسبة مشاركة النساء في برلمان الجزائر 32 في المئة، وفي البرلمان العراقي 25 في المئة، وقد حجَزت النساء في تونس 31 في المئة من المقاعد البرلمانية.

كلّ ذلك ولبنان، أوّلُ بلدٍ عربي يعطي المرأةَ الحقَّ بالترشّح والتصويت عام 1953، بات في ذيل هذه الدول وفي مؤخّرة الترتيب العالمي لمشاركة النساء في مواقع صنعِ القرار، ولا تملك اللبنانيات سوى كلمات ووعود، في ظلّ غياب الإرادة السياسية لدى الأحزاب.

ويبقى السؤال؛ ما دام فعلاً رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وأبرز المحسوبين على رئيس الجمهورية وغيرهم من ممثّلي الأحزاب مع إقرار الكوتا، فكيف تمَّ تطييرُها؟