IMLebanon

سيناريوهات حرب… لن تحصل!

تنشغل الحركة الديبلوماسية هذه الأيام برصدِ السلوك الإسرائيلي الذي اقترَن في الفترة الأخيرة بهجوم جوّي في العمق السوري وبالحديث عن سيناريوهات الحرب على «الجبهة الشمالية» مع لبنان، تحت ذريعة تنامي القدرات العسكرية لـ«حزب الله».

بحسب قراءة ديبلوماسية للمشهد الإسرائيلي، فإنّ هذا السلوك التصعيدي بدأ يظهر جليّاً غداة لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب في واشنطن.

حيث تدرَّج من نعيٍ سياسيّ لحلّ الدولتين، إلى تجديد التهديدات ضد قطاع غزّة، ومن ثمّ إلى تسريب سيناريوهات حرب محتملة، وغير تقليدية، ضد «حزب الله» والتلويح بتدمير مؤسّسات الدولة اللبنانية ومرافقها الحيوية، وصولاً إلى تكثيف الغارات الجوّية في الداخل السوري، والتهديد بتوجيه ضربة قاضية للدفاعات الجوّية السورية.

هذا التصعيد، كما تلحَظ القراءة الديبلوماسية، مرتبطٌ بمخاوف إسرائيل من التحوّلات في سوريا، بعد النجاحات التي حقّقها الجيش السوري وحلفاؤه في الميدان العسكري، ولعلّ أصدقَ تعبير عن هذه المخاوف هو الغارة الجوّية، التي نفّذتها الطائرات الإسرائيلية الأسبوع الماضي على مواقع عسكرية سوريّة قرب تدمر.

هذه الغارة تنطوي على دلالة كبيرة، فلطالما اقتصرَت الغارات الإسرائيلية في الداخل السوري على أهداف محدّدة، مرتبطة خصوصاً، بما تزعم إسرائيل أنّها عمليات تهريب أسلحة لـ«حزب الله»، سواء على طريق بيروت – دمشق، أو في منطقتَي القنيطرة المحاذية للجولان المحتلّ، والقلمون الغربي المحاذي للحدود مع لبنان. لكنّ الغارة الأخيرة جاءت هذه المرّة في العمق السوري وتحديداً في تدمر، حيث تتواجد قوات روسيّة، تقاتل إلى جانب النظام السوري ضد «داعش».

هناك مَن وضَع الغارة في سياق دعم إسرائيل للمجموعات الإرهابية، لكنّ القراءة الديبلوماسية تقرأ فيها رسالة إسرائيلية للروس عقبَ زيارة نتنياهو إلى موسكو، لتحذير موسكو من «خطورة» تحوّلِ سوريا إلى قاعدة لإيران، على حدّ قول نتنياهو، علماً أنّ موسكو قابلت تحذيرَ نتنياهو بفتور. في وقتٍ كانت مواقف المسؤولين الروس دافئة تجاه إيران و«حزب الله» باعتبارهما الطرفين اللذين يقاتلان الإرهاب في سوريا.

اللقاء بين ترامب ونتنياهو بدا أنّه حقَن الأخير بجرعة منشّطات على ما تلحَظ القراءة الديبلوماسية، فراح الأخير يُهدّد وجاءت الغارة على تدمر في هذا السياق وقدّم لها نتنياهو أسباباً موجبة بإعلان أنّها استهدفت شحنة أسلحة «متطورة» كانت في طريقها إلى «حزب الله»، قارناً ذلك بتهديد أنّ الغارات الجوّية ستستمر من دون النظر إلى التحذيرات التي تلقّتها إسرائيل من أكثر من جهة دولية.

وعلى المنوال ذاته جاء إعلان بعض المستويات الإسرائيلية العسكرية والسياسية بأنّ «حزب الله» يُعتبَر المهدّد الرئيسي لـ»وجود إسرائيل»، وكذلك التهديد بتدمير أنظمة الدفاع الجوّي السورية.

بناءً على هذا المشهد، أبدت القراءة الديبلوماسية الخشية من أن تسعى إسرائيل أمام مستجدّات المشهد السوري وتحوّلاتِه الأكيدة، الى إشعال شرارات حربية في المنطقة وقد تجلى بعضها في الغارة في تدمر وصولاً إلى التصعيد البحري تجاه لبنان، وفق ما كشفَت عنه صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأنّ القيادة السياسية في إسرائيل، تتّجه نحو طرح مشروع قانون على الكنيست بشأن الحدود الاقتصادية البحرية مع لبنان وضمِّ المنطقة المتنازَع عليها مع لبنان.

هنا، تقلّل القراءة السياسية من احتمالات الحرب مع لبنان لسبب أساسي، هو أنّها، أي إسرائيل، وبناءً على التجربة مع لبنان، تسعى إلى حرب خاطفة تحقّق لها نصراً سريعاً، لكنّ ذلك قد لا يكون متاحاً لها على الجبهة اللبنانية، إذ إنّها تعلم أنّ أيّ حرب ضد لبنان لن تكون نزهة لها، وطبيعي أن تشهد الحدود اللبنانية من سوريا إلى الجنوب اللبناني حالاً من الاستنفار والجهوزية لمواجهة أيّ طارئ، سواء من الجيش اللبناني أو من «حزب الله» الذي أضاف أمينُه العام السيّد حسن نصرالله إلى جانب معادلة المقاومة في البر، معادلة البحر عنوانُها الغاز مقابل الغاز والنفط مقابل النفط ومنصّة مقابل منصّة.

وهي معادلة ثابتة وإسرائيل تعرف ذلك، وأكثر من ذلك هي تعترف بتنامي قدرات «حزب الله» خلال السنوات التالية لعدوان تمّوز 2006، فضلاً عن أنّ كلّ مستوياتها السياسية والعسكرية والأمنية ما زالت تدرس بعناية مضمون خطاب السيّد نصرالله في ذكرى القادة الشهداء أواسط شباط الماضي.

تستنتج القراءة الديبلوماسية أنّ لبنان يمتلك قوّة ردع الحرب التي قد تمنع إسرائيل حدوثها إذ قد تُفشّلها في حال غامرَت بها، وهذا يعني أنّ التصعيد في سوريا قد يكون الخيارَ الإسرائيلي والغارات الإسرائيلية الأخيرة لا تدخل إلّا ضمن هذا السياق. ولكن هنا يطرح سؤال نفسَه: ماذا بعدما ظهرَ إلى العلن من الجانب السوري، التغيير النوعي في قواعد الاشتباك؟

تلاحظ القراءة الديبلوماسية الصمتَ الأميركي حيال السلوك التصعيدي الإسرائيلي، لكنّها تلاحظ أيضاً أنّ روسيا التي هي في موقع اللاعب الأقوى في سوريا، جاء ردُّها غيرَ مطَمئن للإسرائيليين، حيث استدعت الخارجية الروسية السفيرَ الإسرائيلي لدى موسكو، للحصول على توضيحات بشأن الغارة، ومن ثمّ التحذير لإسرائيل الذي أطلقه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وقبل ذلك هناك اعتقاد لدى مستويات دولية عسكرية واستخبارية بأنّ إسقاط الطائرة الإسرائيلية في الأجواء السورية، قد جاء عملياً من الروس. ربّما هذا التطوّر هو الذي أثار الجنون الإسرائيلي ولا يزال؟

تَخلص القراءة إلى الجزم بأنّ السيناريوهات التصعيدية الإسرائيلية هي سيناريوهات حرب لن تقوم، وإذا كانت تل أبيب راغبة في الحرب ضد لبنان، فإنّ هذه الرغبة تقف عند حدود عدم القدرة على الانتصار فيها وتحقيق أهدافها. وأمّا على الجانب السوري فهي تريدها حتماً، لأنّ رياح الميدان السوري تحمل معها انتصاراً لبشّار الأسد و«حزب الله» وإيران له مخاطرُه المستقبلية عليها.

لكنّ المانع الأساس لمِثل هذه الحرب هو أنّ الروس على الأرض السورية، وأيّ حربٍ إسرائيلية على سوريا مرفوضة كلّياً من جانب موسكو… لا بل ممنوعة.ش