IMLebanon

«زيّ ما هيِّي» بالقانون.. وبالإكراه

أفضلُ ما في قانون النسبية بالنسبة إلى القوى السياسية هو أنّ التشطيب في اللوائح الانتخابية غيرُ متاح، وعلى الناخب أن يُسقط اللائحة في صندوقة الاقتراع كاملةً «زَي ما هيّي» بالقانون وبالإكراه.. وإذا لم يعجبه، فلا خيار لديه إلّا عدم الانتخاب أو اختيار لائحة أخرى.

هذا المفضّل لدى القوى السياسية غير مرحّب به لدى كتل من الناخبين الذين يجدون انفسَهم مجبرين على التصويت لمرشحين في لوائح لا يرغبون بانتخابهم، او انّهم يريدون ان يحاسبوهم على ادائهم الذي لم يخدم تطلّعاتهم في ما مضى، أو لا يؤيّدون توجهاتهم السياسية ربّما.

وهؤلاء الناخبون ربّما يؤيدون رئيس اللائحة وبعض أعضائها، ولا يؤيدون البعضَ الآخر، ولكنْ عند الاقتراع سيكونون مجبَرين على التصويت للائحة كاملة، لأنهم إذا لم يضعوا إشارة «X» أمام أيّ اسم لا يؤيّدونه فسيكون تصويتهم ملغى و«يذهب الصالح ضحية الطالح» في هذه الحال.

من هذه الناحية تبدو القوى السياسية مطمئنّة لأنّ قانون الانتخاب الجديد لن يكلّفها عناءَ ملاحقة الناخبين بكلّ التفاصيل وإلى عقر ديارهم لإقناعهم بهذا المرشّح أو ذاك لأنّ التصويت ليس فيه تشطيب، وسيكون الهمّ الأساس للمرشحين حشد الناخبين للفوز بأكبر عدد ممكن من الأصوات.

بعض السياسيين يقولون إنّ قانون الانتخاب النسبي الجديد على رغم الإنجاز الذي سيحقّق به لجهة تحقيق «عدالة التمثيل وشموليته» في المجلس النيابي المقبل، يبدو في جانبٍ منه كأنّه قانون أكثري مُقنَّع من جهة إلزامه الناخبين بالاقتراع للوائح كاملة و«زي ما هيي» وبلا نقاش، وهو «القانون الأرثوذكسي» مُقنّع أيضاً، (والبعض يعتبره قانون الستين مُقنّعاً ايضاً) لجهة ما نصَّ عليه من احتساب «الصوت التفضيلي» على اساس القضاء، بعدما ما كان مقترحاً أن يُحتسب على اساس الدائرة، وأريدَ له أن يكون إعطاؤه لـ«المرشّح المفضّل» على أساس وطني لا على اساس طائفي ومذهبي، مثلما كان يطالب رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أثناءَ المفاوضات التي أفضَت الى الاتفاق على القانون الانتخابي.

ولكن البعض يقول إنّه غالباً سيكون عند التصويت طائفي ومذهبي، لأنّ في حسبان بعض السياسيين المعنيين وغير المعنيين، انّ شرائح من الناخبين ستعطي اصواتَها التفضيلية على الأسُس الطائفية والمذهبية، بسبب سوسةِ التطيُّف التمذهّب التي تنخر نفوسَ البعض وعقولهم عمودياً وأفقياً على المستويين الشعبي والسياسي.

في هذا السياق يسأل بعض السياسيين: «الى متى ستظل الطبقة السياسية أو بعضها تضحك على المواطنين وعلى الكرة الارضية محاولةً إقناعَ الناس بأنّ في لبنان ديموقراطية في ظلّ قانون انتخاب لم تغِب عنه روحية الإقصاء والإكراه، كذلك لم يغِب عنه «المناخ العام المحدلي» وفوضى التمويل الذي يمارس سياسة الرشى الانتخابية على الدوام وبمختلف الاساليب، من تقديم الخدمة وصولاً الى «الكاش ماني».

فغالبية القوى السياسية لا تستطيع خوضَ الانتخابات من دون تأمين التمويل من مصادر مختلفة، وهي مصادر تُملي إرادتَها السياسية وغير السياسية على هذه القوى، فإذا كان المراد إجراءَ انتخابات نزيهة وشفّافة وديموقراطية، يفترض إجراء إصلاح مالي انتخابي بحيث تُرفَع السرّية المصرفية بمفعول رجعي مدّته سنة عن كلّ مرشح سيخوض الانتخابات على أن ينفّذ هذا التدبير من رأس الهرم حتى قاعدته وبلا استثناء، لأنه لا يجوز الحديث عن ديموقراطية تُباع وتشرى من دول أو جهات داخلية أو خارجية.

وإلى ذلك، فإنّ الدستور يعطي الحق لكل شخص في المشاركة في الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً شرط ان يكون لبنانياً منذ اكثر من عشر سنوات، ويمنع ازدواجية الجنسية في حين انّه يوجد في المجلس النيابي الحالي كما في المجالس السابقة نواب يحملون الجنسية اللبنانية الى جانب جنسية أخرى، إن لم يكن جنسيتين أُخريَين. فكيف للناخب في هذه الحال ان ينتخب مرشحاً بهذه الجنسيات وغير مستعدّ للتخلّي عنها، وربّما هو يفضّلها على جنسيته اللبنانية.

هناك نوّاب في المجلس الحالي يحملون الجنسيات الفرنسية والبريطانية والكندية والاميركية وغيرها، وهم غير مستعدين للتخلّي عنها، ومع ذلك انتخبَهم اللبنانيون سابقاً، وقد ينتخبونهم لاحقاً، وكثير من الناخبين لا يدركون هذه الحقيقة، في حين انّ امراً من هذا النوع غير مقبول جملةً وتفصيلاً حتى في «جمهوريات الموز»، حيث يُمنع على ايّ شخص ان يحمل جنسية اخرى غير جنسية البلد التي يعيش فيه، وخصوصاً إذا أراد تولّي منصب رسمي، وهذه حقيقة يَعرفها في لبنان النواب والوزراء والموظفون الكبار الذين يحملون جنسيات اجنبية الى جانب الجنسية اللبنانية، ولكنّهم «يحدفونها»، ويمارسون سياسية التعمية عليها.

ومن السابقات في هذا المجال سابقةٌ حصَلت في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي حيث زار لبنان رئيس الحكومة الكندية آنذاك جان كرتيان، وبعد محادثاته مع المسؤولين الكبار بادرَ الى عقدِ لقاءٍ مع الجالية الكندية في لبنان، فحضَره 1200 شخص من ابناء هذه الجالية وتبيّن انّهم جميعا لبنانيون يحملون الجنسية الكندية، وتبيّنَ ايضاً انّ نِصف المدعوّين كانوا من الوزراء والنواب ومن موظفي الفئة الأولى ومن الأسلاك القضائية والامنية والعسكرية، الى جانب فاعليات اقتصادية ومالية وغيرها.

وعندما لاحَظ وزير الخارجية السابق فارس بويز الذي كان حاضراً في اللقاء هذا «المنظر الكندي» الذي يلبس «اللبوسَ اللبناني» بادر رئيس الحكومة الكندية قائلاً له: «إنّ لبنان هو البلد الوحيد الذي لا يعلن الحرب ضدّ كندا لأنّ 3 إلى 4 في المئة من اللبنانيين يحملون الجنسية الكندية».

وفي رأي هؤلاء السياسيين انّ القانون الانتخابي المفضّل للبنان هو القانون الذي يَعتمد الدائرة الفردية ويعتمد نظام «ONE MAN ONE VOTE» بعيداً عن لعبة اللوائح المتنافسة والتي لا يمكن التشطيب فيها.

وإنّ الشرط الوحيد لتحقيق ديموقراطية حقيقية وفعلية يكون بفرض رقابة مسبَقة على التمويل شرطاً لديموقراطية حقيقية بحيث تُرفع السرّية المصرفية عن كلّ مرشّح، لأن لا رقابة يمكن إجراؤها في ظلّ السرية المصرفية المعتمدة في لبنان. وكذلك رفض قبول ترشيح أيّ شخص، مهما علا شأنه ومهما كانت ثروته أو مؤهّلاته، لديه جنسية أجنبية إذا لم يتخلَّ عنها.