IMLebanon

ما ترويه الوثائق الديبلومسية عن لقاء بوتين ـ نتنياهو؟

رغم مرور أكثر من خمس أسابيع على لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موسكو، فإنّ الرغبة في معرفة الوقائع الحقيقية لِما جرى فيه لا تزال تَحظى باهتمام دول القرار المعنية بالأزمة السورية، والمهتمة بموقع روسيا الجديد فيها، والذي بدأ مع التدخّل العسكري الروسي المباشر في سوريا، حيث أصبحت موسكو نقطة جذبٍ وقلق في الوقت عينه لدول مِثل إيران وتركيا والسعودية وإسرائيل خصوصاً، ذلك أنّ هذه الدول بدأت تَشعر بأنّ روسيا الموجودة عسكرياً في سوريا أصبحَت دولةً عظمى ذات حدود جغرافية وسياسية مباشَرة معها.

وعليه، لا بدّ من التعاطي معها بمفاهيم جديدة. وفي الوقت نفسه يعتبر بوتين أنّ سياسات الاحتواء السياسي للقوى الاقليمية المتباينة في سوريا هو الهدف الاساسي بين اهدافه لضمان نجاح دوره السوري وعدم انزلاقه الى افغانستان جديدة. ولذا فإنه يقود سياسة حلّ سلمي بأنياب عسكرية في سوريا وليس حلّاً عسكرياً صرفاً، ويحاول التفاهم في سوريا على قواعد اشتباك عسكري وسياسي مع كلّ من إسرائيل وتركيا وإيران والسعودية.

وتؤكد معلومات ديبلوماسية أنّ بوتين نجح مع نتنياهو في جهده هذا أكثر ممّا نجح مع تركيا والسعودية، فيما نجاحه مع ايران يظل في حاجة كلَّ فترة لإعادة البحث معها لترشيد تكتيكاتهما الميدانية لتظلّ منسجمة في ظلّ وجود تباين استراتيجي في موقفهما حول رؤيتهما لأفق حلّ الأزمة السورية.

والسؤال الثمين المطروح حالياً هو، على ماذا اتّفق بوتين مع نتنياهو حول سوريا ومجمل القضايا الساخنة في العالم؛ وما هي النقاط التي تَفاهما عليها وتلك التي لا تزال عالقة وقيد مزيد من البحث بينهما؟

«الجمهورية» حصَلت على ابرز النقاط التي اشتمل عليها محضر لقاء موسكو الاخير (بدايات حزيران الفائت) بين نتنياهو وبوتين كما تداولته محافلُ دبلوماسية، وفي ما يلي وقائعه:

ـ أوّلاً، تجدر الاشارة الى انّ اللقاء بين بوتين ونتنياهو هو الثالث من نوعه في خلال ثلاث سنوات، ما يعني انّ تقليد اجتماعاتهما صار له صفة دورية.

فزيارة بوتين الاولى لإسرائيل كانت في حزيران العام ٢٠١٢ والاخيرة حصلت في نفس الشهر ايضاً، اي في حزيران ٢٠١٦، ما يوحي بأنّ هناك دورة زمنية شِبه سنوية أو ضمن مدى كلّ عامين للقاء القمّة الروسية ـ الاسرائيلية . الزيارة الاولى التي اعتُبِرَت تأسيسية قسَمها بوتين الى قسمين:

سياسية، واشتملت على سوريا خصوصاً، واقتصادية، وهدفها جعلُ العلاقات بين البلدين بنيوية وذات طابع استراتيجي من المصالح، وهذا ما يفسّر لماذا رافقَ بوتين الى اسرائيل وفدٌ ضمّ ٤٠٠ شخصية على صلة بالأعمال في مختلف المجالات.

ثانياً، لا يمكن فهم نتائج زيارة نتنياهو لروسيا في حزيران المنصرم من دون وضعها في سياق انّها تراكُم لزيارة بوتين لإسرائيل عام ٢٠١٢ والتي وصِفت بأنّها تأسيسية.

ماذا عن وقائع زيارة ٢٠١٢ حسب ما يكشفها تقرير دبلوماسي؟

يُنظَر الى زيارة بوتين لإسرائيل عام ٢٠١٢ بأنّها ساهمت في التأسيس لعلاقات روسية ـ إسرائيلية جديدة ترقى الى مستوى تصبح فيه استراتيجية.

واستناداً إلى تفصيلات نشِرت عنها، فإنّها أثمرَت التفاهمات التأسيسية الآتية:

ـ المستوى الأخلاقي: كان يهمّ نتنياهو أن يَسمع بوتين يفتتح لقاءَه به، بإبداء تعاطفه مع قضية «محرَقة اليهود» في الحرب العالمية الثانية. وحصل لنتيناهو ما أراد، وقال بوتين في هذا الإطار إنّه يتفهّم «شعور الإسرائيليين في ما يتعلق بمحاولات تشويه التاريخ»، ويقصد بذلك الأصوات التي تنكِر محرقة اليهود.

ـ المستوى الثاني أمن إسرائيل: يقول التقرير الديبلوماسي عن تلك الزيارة إنّ اعتراف بوتين بـ»المحرقة» شكّلَ «مدخلاً طيّباً» في نظر نتنياهو للنقاش في تفاصيل أساسية على صلة بالعلاقات الثنائية بين الدولتين. ولكنّ «القيصر الجديد» – حسب ما يسمّيه شمعون بيريز – رمى داخلَ اللقاء مفاجأة أخرى، عندما قال إنّه «قلق وخائف على مصير المواطنين اليهود الإسرائيليين من أصل روسي القاطنين في اسرائيل من فوضى قد تعمّ المنطقة نتيجة تداعيات الأزمة السورية». وأضاف: «أنا سأعمل لكي يعيش هؤلاء بأمن واستقرار».

لم يستطع نتنياهو إخفاءَ دهشة اعترَت ملامحَه، فبوتين يقارب أمن إسرائيل انطلاقاً من انّ موسكو لديها اعتبار أخلاقي يُلزمها بحماية مواطنين إسرائيليين من أصل روسي يقيمون في منطقة الشرق الاوسط.

وهنا يَطرح بوتين «شراكة في حماية أمن اسرائيل تنطلق من مفهوم اختلاط الديموغرافيا المهاجرة بينهما»، في مقابل انّ الولايات المتحدة الاميركية باتت تَطرح «شراكة استراتيجية في حماية امنِها تنطلق من مفهوم الوظيفة الإسرائيلية لأميركا»، على حدّ قول مسؤول إسرائيلي كبير لأحد أعضاء الوفد الروسي في الزيارة.

لقد عرضَ بوتين ضمن هذا السياق الجديد مفهومَه للعلاقة الإسرائيلية – الروسية (كما فهمَته إسرائيل على الأقلّ من خلال سياق طروحات ضيفِها الأحمر)، إنّ الروس مهتمّون بأن يمدّوا بأيديهم سكّة الحديد بين تل أبيب وإيلات، لأنّ هذا يعزّز مشاعر العلاقة في إسرائيل تجاه موسكو.

المستوى الثالث، الاقتصاد: خلال اللقاء، وفي إطار البحث في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ناقشَ الطرفان بإسهاب الوضعَ الاقتصادي في روسيا واتّفَقا على انّ اقتصاد روسيا قوي يفيد إسرائيل لأنّ للأخيرة استثمارات كبيرة فيها. وعليه يجب إدارة نقاش حول الوضع الاقتصادي في روسيا، وذلك من باب انّ لإسرائيل مصلحة في استقراره ونموّه نظراً لحجم الاستثمارات الاسرائيلية المتنامية هناك.

وتمّ التدقيق حينها في الأرقام الاقتصادية بين البلدين، حيث يَبلغ حجم التبادل التجاري ٦٦٠ مليون دولار للأشهر الاربعة الاولى من السنة الجارية، موزّعةً على النحو الآتي: صادرات روسية بـ ٣٨٥ مليوناً، وواردات إسرائيلية بـ ٢٧٥ مليوناً.

وطرح بوتين في زيارة ٢٠١٢ التعاون بين شركة «غاز بروم» الروسية وإسرائيل، في استخراج الغاز المكثشف حديثاً في مناطق الشمال. وأبدى أيضاً، رغبته في إرساء مزيد من التعاون في التكنولوجيا العالية المستوى وفي مجال التعاون الأمني.

كذلك طرَح بوتين إرساءَ اتّحاد جمركي بين روسيا وإسرائيل، وذلك في إطار ردّه على طلب لنتيناهو أن تشارك إسرائيل في المنطقة التجارية الحرة للاتّحاد الجمركي التي أنشأتها روسيا. وتَجدر الاشارة الى انّ هنالك اتّحاداً جمركياً يَجمع روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا.

المستوى الرابع، ملفّ الأمن في سوريا: في هذا العنوان تَوافقَ بوتين ونتنياهو على أهمّية دور موسكو في الأزمة السورية، وأقرّ بوتين بأنّ لبلاده «نفوذاً كبيراً في سوريا». وقال: «إنطلاقاً مِن ذلك أنا مستعد للتعاون مع الجميع في المنطقة.

وأثار نتنياهو، ضمن هذه الجزئية، موضوع الأسلحة غير التقليدية أو النوعية الروسية المصدّرة إلى سوريا، كصواريخ «إس ـ ٣٠٠» على سبيل المثال، وقال إنّ إسرائيل تتخوّف من أن ينتهي الأمر بهذه الاسلحة الى أيدي تنظيم «القاعدة» أو حزب الله.

وعد بوتين بالنظر في هذه المسألة ومعالجتها على نحو يلغي هذا الاحتمال المسبّب لقلق اسرائيل، ولكنّه في الوقت نفسه طرح أمراً آخر يجب ان تتفهّمه اسرائيل، ومفاده «أنّ موسكو يساورها شكّ كبير بإمكانية ان تستطيع المعارضة السورية السيطرة على الامور في سوريا».

وأبلغَ الى نتنياهو، أنّه من جهته، ومن خلال فحص سياسيّ واستراتيجي للتوازنات الحساسة في المنطقة، فإنّه لا يرى أنّ هناك أيّ بديل أفضل من الأسد لحكم سوريا».

لم ينتظر نتنياهو انتهاءَ الوقت للبرتوكولي للقاء الرسمي، حيث عرضَ على بوتين قضية تناقشها الدولة المضيفة على مستوى الوفد المرافق، فأخبره انّ لدى الاستخبارات الاسرائيلية ملفّاً شديد الأهمّية ترى من مصلحة الأمن في المنطقة إطلاع موسكو عليه.

ولمَّح ديبلوماسي إسرائيلي في سفارة موسكو لاحقاً الى أنّ هذا الملف يتعلّق بسوريا، وقضايا أمنية حساسة تتعلق بأزمتها الحالية، وأن نتنياهو أراد من وراء تقديمه يداً بيَد لضيفِه القيصر إبداء علامات الموافقة القوية على بدءِ التعاون الاستخباراتي في المنطقة بين البلدين.

ماذا تقول وقائع التقارير الديبلوماسية عن زيارة نتنياهو الأخيرة لموسكو؟

أهمّ نقاط اتّفقَ عليها بوتين مع نتنياهو في لقاء موسكو هي الآتية:

– إستمرار التنسيق بين إسرائيل وروسيا على المستوى العسكري في المنطقة، وذلك بالمنسوب نفسه القائم حاليّاً، وهو يُعتبر جيّداً من وجهة نظر الطرفين.

وضمن هذا التنسيق الجيّد، ترَكّزت محادثات بوتين ـ نتنياهو على الحرب في سوريا:

نتنياهو طلبَ من بوتين أن يلبّي رغبة إسرائيل بالاطّلاع على الخطط الروسية المقبلة في سوريا، والتدخّل في الخرائط الميدانية بنحو يبعِد ايّ أخطار مفترضة على الحدود مع اسرائيل. وتمّ من ناحية متصلة التأكيد على استمرار تبادل المعلومات الاستخباراتية، وعلى أن تستمر القيادة العسكرية الاسرائيلية في إبلاغ القيادة الروسية العسكرية عن العمليات التي تنوي تنفيذها داخل سوريا.

المحادثات ركّزت أيضاً على: التعاون في مجال الزراعة وزيادة إنتاج الحليب في روسيا من خلال الاستعانة بتقنيات إسرائيلية وإضافة مجالي الطبّ

وصناعة الأدوية إتّفاق المعاشات التقاعدية المبرم بين البلدين والذي يُلزم روسيا بدفع رواتب تقاعدية الى فئة من اليهود في روسيا، وغيرها من المسائل.

توقيع اتفاقات تتعلق بمجال الطاقة والضمان الاجتماعي وإدارة الجمارك والتبادل التجاري والزراعة.

طموحات نتنياهو كما ظهرَت خلال الاجتماع تتعلّق أيضاً بالملف التجاري، وهي جذبُ السائحين الروس الى اسرائيل لتحلّ في هذه الوظيفة مكان تركيا ومصر اللتين تستحوذان الآن على استقبال القسم الأعظم من هولاء. كذلك تريد إسرائيل ملءَ الفراغ في قطاعات السوق الروسي الذي ترَكته شركات تركية وأوروبية بسبب تأزّم علاقات بلادها مع روسيا خصوصاً في قطاعات الزراعة.

إسرائيل تريد الإفادة من علاقتها المتحسّنة جداً مع روسيا لتعوض أزمة علاقاتها مع اميركا، وتريد الاستناد لنوعٍ من الحماية الروسية لمواجهة أيّ تطوّر يَحدث على حدودها بشكل طارئ. في المقابل تريد روسيا من إسرائيل تجاهلَ ما يحدث في اوكرانيا والقرم، وعدم الانخراط في الهجمات الأمنية والإعلامية والسياسية ضد روسيا، على خلفية هذين الأمرين.

وتجدر الإشارة إلى أنّ نتنياهو عَقد لقاءات مع الطائفة اليهودية في روسيا.