IMLebanon

أيّ كتلة نيابية سيورِّثها وليد لتيمور؟

سيعقد الحزب التقدمي الاشتراكي الأحد المقبل، جمعية عمومية مخصّصة لاختيار رئيس جديد له. ولكن، وخلافاً لما كان متوقعاً منذ أشهر أو سنة، سيبقى النائب وليد جنبلاط في القيادة، لأنّ اللحظة لم تحن بعد لتولّي نجله تيمور مقاليدها. لكنّ الشاب الذي كُتِب عليه أنه وريث زعامة آل جنبلاط سيجلس بالتأكيد في مقعد والده النيابي في الشوف، ومن هناك تبدأ مسيرته. ومن هناك يبدأ تفكير والده في الانتخابات وقانونها.

شرح جنبلاط أزمته لأصدقائه جميعاً، كما لغير الأصدقاء: «لا أريد أن تكون بي خاتمة الزعامة الدرزية على الجبل الجنوبي، وخاتمة الزعامة الجنبلاطية داخل الطائفة الدرزية.

فالنسبية تتيح إنتاج تعددية طوائفية في الجبل وتعددية زعاماتية في الوسط الدرزي. ويدرك جنبلاط أنّ هناك قوى مسيحية في الدرجة الأولى، ثم سنّية، وربما شيعية، تنتظر هذه اللحظة للتخلّص من أحادية الزعامة الجنبلاطية على الجبل الجنوبي.

وهناك قوى درزية تريد اغتنام الفرصة لإنهاء «الأحادية الجنبلاطية» داخل الطائفة، وعلى الأقل لإعادة الثنائية: الجنبلاطية – اليزبكية. وأوّل هؤلاء وئام وهّاب ثم طلال إرسلان.

«أبو تيمور» وجد تفهُّماً. فلماذا يُراد إنهاء أحادية الزعامة الجنبلاطية على الدروز عندما يكون الاتجاه العام في الطوائف الأخرى هو الحصرية؟ وبقي الجانب الذي يحتاج إلى تفاهم هو ذلك المتعلق بالزعامة على الجبل.

كرَّس وليد جنبلاط زعامته على الجبل منذ حرب 1983. وبعد « إتفاق الطائف»، تحالف مع سوريا التي صاغت قوانين الانتخاب على قياسه، ودعمته بالمواقع والوزارات وإدارة شؤون المهجرين وأموالهم، فيما كان المسيحيون يدفعون ثمناً باهظاً لـ»حروب الأخوة» التي دمَّرتهم ووزّعت قادَتهم مَنفيين في الداخل والخارج.

دَلّلت سوريا جنبلاط، داخل الطائفة وخارجها. وبعد 2005، حافظ الرجل على دوره في المعادلة. وعلى رغم عدائه العميق والمكشوف للرئيس بشّار الأسد، فإنه لم «يُخربط» المعادلة التي أرساها السوريون في لبنان. وعرف جنبلاط كيف يكون الجسر بين السنّة والشيعة في زمن الحروب المذهبية الإقليمية، وبين «8 و14 آذار»، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه.

اليوم، طرأت متغيرات إقليمية وداخلية تضع جنبلاط في مواجهة استحقاق حسّاس. وهنا تكمن مشكلته:

1- إقليمياً، راهَن جنبلاط على سقوط الأسد. وعمل في فترة سابقة من الحرب السورية على توسيع وهج زعامته ليتحدث باسم دروز سوريا ويحرّضهم على الأسد. لكن عدوّه اللدود هناك على وشك أن يربح الحرب، كما أنّ الطموح إلى زعامة الدروز في سوريا بات أقل واقعية.

ولهذا الأمر انعكاساته في لبنان على الأرجح. فالأسد، إذا اتيح له لاحقاً أن يقول كلمته في الشؤون اللبنانية، من الطبيعي أن يعمل لمنح القوى الدرزية الحليفة له دوراً أوسع داخل الطائفة، على حساب جنبلاط.

2- داخلياً، يتبنّى القادة المسيحيون، بعدما تصالحوا ووصل الرئيس ميشال عون إلى الحكم، هدفاً مركزياً هو تصحيح الخلل في الشراكة. وهذا الأمر يتعلق بـ»تحرير» التمثيل المسيحي من أَسْر الطوائف الأخرى، السنّية والدرزية والشيعية. وهذا يعني عملياً إنهاء احتكار جنبلاط لتمثيل مسيحيّي جبل لبنان الجنوبي.

3- تتزامن الاستحقاقات الإقليمية والداخلية مع استحقاق تقترب منه الزعامة الجنبلاطية نفسها. فجنبلاط وصل إلى لحظة توريث تيمور، لأنّ غالبية البيوتات السياسية اللبنانية غارقة في ورشات لـ»تسليم الجيل الجديد».

والتسليم هنا قد يعني تغييراً في ذهنية الآباء وتغييراً حقيقياً للدم، وقد لا يعني. فجنبلاط الذي تم إلباسه عباءة الزعامة قسراً بعد اغتيال والده كمال جنبلاط، لم يشكّل استمراراً لنهج الوالد. وكذلك، هو يدرك اليوم أنّ تيمور جنبلاط 2017 ليس نفسه وليد جنبلاط 1977.

كل هذه العوامل تؤرق جنبلاط وتدفعه إلى التفكير عميقاً في كل خطوة، وإلى التأكد من أنه لن يذهب ضحية التحوّلات في المسارات الإقليمية والداخلية. والاستحقاق الداهم في هذا المجال هو الانتخابات النيابية.

جنبلاط الأب قلِق من المسارات كلها: إنتصار الأسد في سوريا وخلط الأوراق المحتمَل في لبنان، وقلِق من استفاقة المسيحيين بعد سبات طويل وعميق، وقلِق من استحقاق التغيير داخل الزعامة الجنبلاطية. فكلها مسارات تتحمّل مقادير من المفاجآت السلبية.

وفي المحصّلة، يريد جنبلاط أن يوفِّر صعوداً قوياً لزعامة تيمور. فالوقت لم يعد يسمح بتأجيل الاستحقاق. ولا بدّ لتيمور من أن «يتدرّب» على السياسة في ظلّ قيادته. وهذه فرصة لم تتوافر له مع والده كمال. وربما هو يعتقد أنّ تيمور يحتاج إلى فترة تأهيل في السياسة أطول من تلك التي احتاج إليها هو شخصياً.

وفي أي حال، سيكون تيمور رئيس الكتلة الجنبلاطية المقبلة في البرلمان، وستضم بعض «الحُكماء»، أصدقاء وليد القدامى والخبراء في الحزب و«اللقاء الديموقراطي»، ولكنه يريد أن يكون «مُدجَّجاً» بالتمثيل المسيحي والسنّي الذي يُخرج الكتلة من «درزيتها الفاقعة» لتكون كتلة «وطنية».

إنّ دخول تيمور المجلس النيابي بانتخابات وفق قانون نسبي، بتمثيل يقتصر على بضعة نواب دروز فقط، من دون «ثَقّالات» مسيحية وسنّية وازنة، خصوصاً إذا فازت في الانتخابات أيضاً شخصيات درزية منافسة، يحوِّل الزعامة الجنبلاطية من حصريّة إلى محصورة، لا يمكنها الاضطلاع بدور «بيضة القبّان» بين الأوزان الطائفية والمذهبية.

فكيف سيتعاطى جنبلاط مع هذه الاستحقاقات، وهو المعروف بسرعة حركته لمواكبة التحوّلات؟ هل سيهادن الأسد، عبر حلفائه اللبنانيين، لعلّ الأمر يوفِّر الحماية لزعامته؟ وهل يرضيه الحل الوسط المطروح في «القانون المختلط»، بينه وبين المسيحيين، فلا يُهيمن على تمثيلهم ولا هم يهيمنون؟

إنها معركة وليد من أجل تيمور. معركة زعامة يخشى أن تكون أو لا تكون!