IMLebanon

من يعرقل استفادة لبنان من «ذهبه الاسود»؟

أعادت زيارة مساعد نائب وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة آموس هوشتاين إلى لبنان ملف إستخراج الطاقة والغاز فيه إلى واجهة الإهتمام الداخلي والخارجي على حد سواء . فبعد الدعوات المتكررة التي أطلقها الرئيس نبيه بري حول ملف النفط وضرورة الإلتفات إلى هذه الثروة القومية التي يمكن أن تحمي حقوق الأجيال اللبنانية للسنوات المقبلة كما انها يمكن أن تحلّ مشكلة الدَين العام وتطوير البنى التحتية والخدمات وأن تعيد التوازن إلى الطبقة الوسطى التي إضمحلت والتي تشكل صمام «الأمان الإجتماعي» في لبنان، يبقى السؤال المطروح ما الذي يعيق وضع هذا الملف على سكة التنفيذ بعدما عقد اللبنانيون الأمل عن أنهم سوف ينضمون إلى نادي «الدول النفطية» ما قد يحسّن الدخل القومي للفرد ويرفع مستوى المعيشة الذي لا يستند على أي قطاع ثابت في لبنان سوى قطاع السياحة والخدمات الذي تحكمه ظروف سياسية وأمنية ما يجعله غير آمن ولا مستقراً وخاصة في ظل الظروف التي تمرّ بها أكثر دول المنطقة ؟

تجيب مصادر نفطية خبيرة ومتابعة لهذا الملف إن هذا الموضوع قد يكون صعب التحقيق في المدى المنظور ولأسباب داخلية وخارجية كثيرة تتعلق بعوامل إقليمية وإقتصادية وجيوسياسية يلعب موقع لبنان الجغرافي دورا مهما فيه كون حدوده البحرية متداخلة مع حدود «إسرائيل» وهو ما يخلق جدلا كبيرا ووضعا قابلاً للإنفجار، خاصة بعد المعلومات التي توافرت عن وجود ثروة نفطية وغازية ضخمة جدا قدرت بحوالى 30 تريليون قدم مكعب من الغاز و660 مليون برميل من النفط السائل وذلك بعد القيام بمسح حوالى 70 بالمئة من المياه اللبنانية وهو رقم قد يحدث تحولا في الواقع الإقتصادي اللبناني إذا ما احسن إستثماره. لكن وبعد مرور حوالى خمس سنوات من تاريخ إقرار مجلس النواب قانون التنقيب عن النفط في جلسته التي عقدت بتاريخ 17 -8-2010 يبدو أن الأمور لا زالت عالقة في متاهات الخلافات السياسية الداخلية من جهة، وبين الهواجس الخارجية التي تخشى من إمتلاك لبنان مصدر طاقة مهماً قد يؤثر على القرار السياسي اللبناني بإتجاه قضايا جوهرية تخص منطقة الشرق الأوسط وأمنها وإقتصادها وتحديدا «إسرائيل» حيث أشارت مصادر مطلعة على زيارة المستشار الأميركي الأخيرة إلى لبنان ولقائه المسؤولين اللبنانيين وتحديدا الرئيس بري إلى رغبة الولايات المتحدة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية التي تتداخل مع» إسرائيل» وذلك خوفا من حصول أي إحتكاك بين الطرفين وتحديدا مع المقاومة التي أعلن «سيدها» في احد خطاباته أنه سوف يحمي نفط لبنان أينما كان ومن أي إعتداء, وخاصة بعد تردد معلومات عن قيام إسرائيل بسرقة كيلومترات من الحدود البحرية مع لبنان، الأمر الذي يسبّب له خسارة إقتصادية كبيرة عدا عن تواجد «منصات إسرائيلية» لإستخراج الطاقة في المياه الإقليمية المشتركة وهي تقع في مرمى صواريخ المقاومة في حال حدوث أي مواجهة، وتتابع هذه المصادر أن زيارة الرئيس بري من قبل هوشتاين تدخل ضمن سياق تشجيع رئيس المجلس على بتّ بعض القوانين المرتبطة بقطاع الطاقة والنفط وهو الموجود على أجندة المجلس في أول جلسة تُعقد في حال فتح دورة إستثنائية قريبا. أما في الجانب السياسي فإنّ الرئيس بري حريص ومتحمس جدا لموضوع النفط والغاز في لبنان وهو سيعمل على حمايته من أي أطماع تهدده كما أن للدولة والمقاومة اللبنانية الحقّ في الدفاع عن أي تعديات تُرتكب من قبل إسرائيل على أرضه وثرواته وبكل السبل .

المصادر النفطية المتابعة تشير إلى ان النقطتين العالقتين اللتين تعرقلان سير هذا الملف تكمنان أولا: في الموافقة بمرسوم على مسودة تحديد وتقسيم «البلوكات» البحرية التي تشكل نطاق عمل ونشاط شركات النفط والغاز وقد حدد عدد البلوكات بعشرة ,وبحسب مصادر وزارة الطاقة ان هذه المسودة جاهزة ولا تحتاج سوى لموافقة الحكومة عليها

– ثانيا :الموافقة بمرسوم على مسودة اتفاقات الاستكشاف والانتاج وهي عبارة عن عقود بين الدولة اللبنانية والشركات النفطية تمنح هذه الاخيرة حقوق استكشاف حقول النفط والغاز وتطويرها واستخراجها وتشير المصادر نفسها الى أن مسودة هذه الاتفاقات جاهزة أيضا

كما أن الحاجة ضرورية إلى اصدار قانون خاص يحدد نظام ادارة «الصندوق السيادي» ووجهة استثمار العائدات النفطية وتوظيفها واستعمالها. والصندوق السيادي هو الذي توضع فيه حصة الدولة من تلك العائدات، على أن يكون مستقلا عن الميزانية العامة للدولة بشكل يؤمّن المحافظة على العائدات النفطية والغازية لمشاريع استثمارية طويلة الامد ولعل هذا البند يعتبر الأكثر حساسية في الموضوع كونه يخضع لتجاذبات ومصالح شخصية في مراكز حسّاسة بالدولة كما أن نقطة ضعف أخرى تبرز في هذا الملف تكمن في عدم إمتلاك لبنان الخبرة الكافية بالشقّ القانوني وخاصة فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية ولعل تجربة «قضم» إسرائيل حوالى 800 كيلومتر على أثر ترسيم الحدود بين قبرص ولبنان وإسرائيل وإستغلال الأخيرة النقطة المشتركة «الفالتة» بين البلدان الثلاثة وسيطرتها عليها أعتبرت يومها خطأ جسيما من قبل الوفد اللبناني ولا يجب تكراره في المفاوضات المقبلة حول ترسيم الحدود البحرية لإن خسارة أي منطقة بحرية على الحدود الجنوبية تعني خسارة الملايين من عائدات النفط والغاز الموجودة والتي تعتبرمن الأضخم في العالم .

أوساط عليمة بملف النفط والغاز تقول إن الموضوع شائك في لبنان وتدخل فيه حسابات خارجية وإقليمية أيضا ترفض أن يخرج لبنان من دائرة «الطاعة الإقتصادية» و«يستقلّ» بقراره السياسي. أما من جهة إسرائيل فإن الأطماع لا تنتهي بالأرض والمياه والنفط اللبناني الأمر الذي يفتح معها إمكانية جديدة للصراع قد يأخذ شكل مواجهة مسلحة مع المقاومة في لحظة ما وهو ما يحاول الأميركيون تجنبه من بوابة الرئيس بري الذي يجيد فنّ التخاطب مع أكثر الفرقاء في لبنان .