IMLebanon

حزب نمرود في يبرود .. “جبّار صيد أمام الرب”

يحب “حزب الله” أن ينادي نفسه أو “رجاله” بـ”الغالبين”، لكن أحاسيسه المرهفة تُجرح ما أن يتجاسر أحد ويتهّمه بـ”التغلّب”. يريد أن يقرّ له الحليف والخصم على حدّ سواء بأنّه غالب ليست تحرّكه ذرّة تغلّب. يريد أن يحتفظ بمنزلته كـ”مظلوم”. يريد أن يكون، في الوقت نفسه، المظلوم أبداً، والغالب أبداً، والمنتصر أبداً، في حين أنّ أبسط تعريف يجمع الظلم بالغلبة بالانتصار أنّها مضامين محكومة، جميعها، بما غنّته الفنانة الراحلة ذكرى: “يوم ليك ويوم عليك مش كل يوم معاك”.

المشكلة الحقيقية، و”الدفينة”، مع “حزب الله” أنه ليس بمستطاعه أن يستوعب ذلك، وأن يدرك أنّ شرط الانتصار هو امكان ان تنهزم، وشرط المظلومية أن لا تظلم غيرك بها، وأنّه ليس هناك غلبة من موقع فئة على فئة الا بالتغلّب، والتغلّب لا شرعية له، ولا شرع يسنده أو يضمنه.

ربما كانت ثمة شبهة أمل قبل “يبرود” بأنه يمكن لهذا الحزب المسلّح، والمجنّح – أي الطائر في فضاءات “الجغرافيا المتخيلة والمتسلسلة” التي تخلط يبرود بالقصير بمارون الراس بموقعة الطف بنهروان بصفّين بفدك، أنّ يقف على قدميه وينظر حوله، ويعرف أنّ الانتصارات المتتابعة دون توقف هو الشكل الرسمي للكارثة التي تذهب نحوها أي جماعة بشرية. لكن بعد يبرود، لم يعد ثمة مجال لأي شبهة أمل. فالمعادلة تكاد تلخص بالتالي: لم يستطع مسلّحو المقاومة السورية أن يردّوا “حزب الله” على أعقابه، لكنه، وبسبب من ذلك أيضاً، سيدفعونه الى المزيد من التدخّل في سوريا، والى المزيد من الدم اللبناني المراق فوق الأرض السورية، وبغرض قمع حق السوريين في الحرّية، وكذلك حق اللبنانيين. لقد نجحت في جعل استنزافه يستديم.

في يبرود، استكمل “حزب الله” عملية تماثله مع صورته عن نفسه، انه حزب “كيفما كان” منتصر. أليس هو من يحدّد معيار النصر كما يحلو له؟!.

في أي معركة عسكرية، اما ان يكون الهدف ثابتاً، واما ان يكون الهدف متحرّكاً. فماذا كان الهدف في يبرود؟ الهدف الثابت؟ أي البلدة نفسها، وعلامَ؟ لتهجيرها من أهلها؟ للانتقال منها لايذاء بلدات سورية أخرى؟ أم أن الهدف متحرّك، ويتصل بضرب المسلّحين السوريين الثائرين، والذين أفلتوا في جسمهم الأساسي من الحصار والمدفعية الثقيلة سواء في القصير أو في يبرود؟.

النصر الأساسي الذي حقّقه “حزب الله” في يبرود هو أن أحداً لم يعد بامكانه اقناعه أنه حزب من البشر، وأنه يمكنه أن ينتصر أو يهزم، ويَظلُم أو يُظلَم، وبأن الغلبة سجال والحرب سجال. لقد صار بهذا المعنى أشبه بالمتجبّر “نمرود”.

في “سفر التكوين” ان نمرود “كان جبّار صيد أمام الرّب”، وهذا أدق توصيف للصلف والتجبّر وللوهم المتورّم بأن أحداً سيمضي تلقائياً من نصر الى نصر.

في يبرود صار “حزب الله” نمرودياً والى حد فظيع. صار بحاجة الى يبرود ثانية فثالثة فرابعة كل بضعة أشهر. في يبرود كان الحزب “جبّار صيد أمام الرب”.