IMLebanon

مَن يُقنع ذوي المعتقلين بأن أحباءهم ليسوا في سوريا؟

كلما تمت عملية تبادل او افراج عن مخطوفين او معتقلين او مخفيين قسراً، تضطرب قلوب اهالي المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية وتقفز الدمعة الى عيونهم مرة جديدة وهم يشاهدون عناق الاهل والاحبة مع المفرج عنهم، ويتمنون لو أن هذا المشهد ينسحب عليهم بعد طول فراق عن الاخ والأب والاخت والجد وكل من ابتلعته السجون السورية وتقاذفته زواريب السياسات اللبنانية الضيقة، بحيث تحول السجان ورجال الاستخبارات السورية مجرد أناس مجهولين غير معروفي الهوية، وتحولت معتقلات عنجر والبوريفاج ومستشفى الاميركان الى اماكن غير معروفة في جغرافيا الاحتلال السوري المديد للبنان.

لا احد في الكون يستطيع ان يقنع فاطمة عبدالله بان شقيقها حسين الذي اقتادته الاستخبارات السورية من منزله في منطقة الكولا البيروتية هو مفقود او مخفي ومجهول الاقامة في السجون السورية، ذلك ان صوت حسين وصراخه وهو يستنجد بأخته من بين جلاديه لا يزال يرن في أذنيها، رغم مرور 20 عاماً على عملية الاعتقال المكتملة الاوصاف والشهود والاوراق الثبوتية والمعلومات التي ادلى بها الاسرى المحررون من المعتقلات السورية أمام لجنتي العميد ابو اسماعيل ولجنة الوزير فؤاد السعد وكل الهيئات والمنظمات الحقوقية والانسانية.

لا أحد في لبنان والعالم يمكن بأن يقنع ايلي روميه ان شقيقه بشارة العضو في حزب الوطنيين الاحرار والذي اقتادته الاستخبارات السورية من منزله في رياق من أجل بضعة اسئلة. والذي حملت له والدته كيس الطعام وملابس داخلية مرات الى معتقل عنجر ليس معتقلاً لدى السلطات السورية. فلو كان ميتاً لأعاده السوريون الى لبنان اسوة بما فعلوا مع عادل عجوري وغيره ممن اعيدت جثامينهم الى لبنان ودفنوا بهدوء وصمت.

وكيف يقتنع علي أبو دهن بأن لا لبنانيين في المعتقلات السورية، وهو ترك وراءه العشرات من رفاق الزنزانة في تدمر وصيدنايا، يرددون على مسمعه بما يشبه الوصية ان لا ينساهم في ظلمة السجون ووراء الابواب السوداء المغلقة. وهو يملك عشرات الشهادات الموثقة والتي تؤكد بما لا يقبل الشك ان ثمة لبنانيين لا يزالون معتقلين في زنزانات النظام.

وكيف السبيل الى اقناع من تبقى من الامهات والاخوات اللواتي فقدن اولادهن واشقاءهن العسكريين او اهالي الراهبين الانطونيين شرفان وابي خليل، خلال الاجتياح السوري في 13 تشرين الاول 1990 للمناطق التي كانت تحت أمرة العماد ميشال عون والذين لم يتم اكتشاف جثثهم في المقبرة الجماعية في اليرزة، بأن اولادهم قد رحلوا عن هذه البسيطة، وقسم منهم لا يزال يحتفط بقسيمة الزيارة او لم تعترف قيادة الجيش باستشهاده ولا تم الكشف ولو عن عظمة من بقاياهم في ما لو كانوا شهداء؟

السؤال الكبير الذي لا يجد اي من المهتمين بقضية المعتقلين جواباً عنه، هو لماذا اصرار القائمين على هذا الملف في سوريا على انكار وجود هذا الملف؟ ولماذا لا يصار الى تسليم من تبقى من معتقلين احياء وتسليم جثث المتوفين منهم من أجل قفل هذا الملف او هذا الجرح النازف بين البلدين، بدلاً من تركه عرضة للاستثمار السياسي والاستغلال من هذا الطرف او ذاك؟ اما التذرع بأن قضية بضع مئات من اللبنانيين المعتقلين في السجون السورية ضاعت في خضم الحرب الاهلية في سوريا والعدد الضخم من القتلى والجرحى المفقودين والمعتقلين، فليس مبرراً للتملص من هذا الملف. بل الاجدى ان تكون الازمة السورية سبباً للتحلي بالشجاعة والاقدام على حل هذه القضية والكشف عن مصير المعتقلين، سواء اكانوا احياء ام أمواتاً.

ومن الاجدى ايضاً، كما يقول اهالي المعتقلين ان يبادر اللواء عباس ابرهيم، بما عرف عنه من خبرة في حل قضايا المخطوفين، الى طرح الموضوع على القيادة السورية من اجل حل هذه المسألة مرة واحدة ونهائية وتسليم الجثث واطلاق من تبقى وطي هذا الملف وابعاده عن المتاجرة به واستخدامه سياسياً سواء ضد النظام السوري او معه، وخصوصاً ان ثمة طرفا واحدا في هذه العملية هو الجانب السوري الذي يملك كل المعطيات والتقارير التي قدمتها “اللجنة اللبنانية” برئاسة القاضيين جوزف معماري وجورج رزق. وليس هناك من حاجة الى التفاوض مع طرف ثان او ثالث او السؤال عن اي فدية، بل ان الاهالي يريدون معرفة الحقيقة سواء اكان احباؤهم احياء أم لا.