IMLebanon

“حزب الله” عندما يحاور نفسه

هناك أشياء بسيطة لا سبيل لـ”حزب الله” الى ادراكها بشكل جديّ، ولا يكاد تلتقطها عينه حتى يكابر عليها لسانه. من هذه الأشياء أنّ “المقاومة” التي “هي هوَ”، قد تبدو “ذهبيّة” في مرآته، لكنها ليست كذلك في مرايا الآخرين، ومذهبيّتها الفاقعة لا تترك المجال لهذه المعاينة “الذهبية”.

لا يكلّ هذا الحزب ولا يملّ وهو يتباهى باستغنائه عن ضرورات تشكيل إجماع وطنيّ حول “المقاومة”، لكنه لا يستطيع أن يدرك أنّ الإجماع المفقود اليوم ليس حول “المقاومة” بل حول أن يكون لصفة “المقاومة” التي يسبغها “حزب الله” على سلاحه أي دلالة جديّة، واقعية.

فالواقع أن هذا الحزب ما عاد بامكانه في الداخل اللبناني سوى أن يحاور نفسه، أي أن يناجيها، فيعتبر ان اللبنانيين منقسمون بين من يؤيد المقاومة وبين من يعارضها، وأن هذا طبيعي للغاية في أي مجتمع تظهر فيه حركة مقاومة ضد محتل. لكن اللبنانيين ينقسمون حول أمر آخر: ليس بين من يؤيد مبدأ المقاومة وبين من يعارضه، وليس بين من يؤيد هذا الأسلوب أو ذاك في المقاومة وبين من يجترح أسلوباً آخر، وانما حول أهلية “حزب الله”، وخصوصاً بعد التورّط المذهبي المتمادي لسلاحه في الداخل اللبناني، ثم في الداخل السوري، في أن يطرح نفسه كحركة “مقاومة”.

المكابرة تحجب الشرط الأول للإدراك عن هذا الحزب، أي ادراك أنّ ما يراه “ذهباً” لا يمكن أن يراه أخصامه سوى “مذهبية”، وأنّ “الغالبين” المتفانين في عرفه هم “متغلّبون” معتدون بالنسبة الى عيون وأفئدة وحناجر الآخرين.

يدلّ الخطاب الأخير لزعيم الحزب أننا أمام حالة ذهبت بعيداً في المكابرة على الشرط الأوّلي للإدراك: فكل واحد منّا يمكنه أن يصف نفسه بما أراد، عسى أن يدرك أنّ الآخرين لن يكونوا ملزمين من تلقائهم بالمصادقة على هذا الوصف، وانهم اذ يختلفون معه فليس من موقع تثبيت هكذا وصف ثم مخالفة مقتضياته، وانما من موقع انكار انطباق الوصف عليه من الأساس، أو انكار ان تكون لهذا الوصف، في حالتنا هذه، أي دلالة تغني عن الدخول الى صلب الموضوع: امتلاك فئة لترسانة أسلحة ناشطة حربياً في سوريا حالياً، وبشكل يطعن العيش المشترك مع الفئات الأخرى ويؤسس لنظام هيمنة فئوي. بالتأكيد هذه ليست وجهة “حزب الله”، لكن هل يمكن أن يدرك هذا الحزب أنّ وجهة نظر أخصامه فيه ليست أبداً من النوع الذي يفترضه أساطين “الممانعة” و”المشرقية” الذين يحسبون أنّ “حزب الله” يمارس “سحره” على أخصامه أيضاً؟.

ما الذي يجعل هذا الحزب غير قادر على ادراك الاختلاف بين الطريقة التي يرى بها نفسه وبين الطريقة التي يراه بها أخصامه؟ انه بالتحديد الفارق بينه وبينهم. هم لا يستطيعون أن يفعلوا كل ما يخطر على بالهم. أما هو، فلا يستطيع أن يحجم طويلاً عمّا يستطيع القيام به. هو قادر على التغلب المذهبي. لا يحدّه حدّ. لا توقفه مؤسسة ولا دستور ولا قانون، ولا يوقفه مجتمع سياسي أو مدني. ليس بالمستطاع التأثير لاخراجه من سوريا. التأثير اللبناني عليه في حروبه الماضية كان على تواضعه أكبر من التأثير اللبناني عليه اليوم في حربه السورية. بعد هذا كيف لك أن تقنع حزباً متجبّراً على هذا النحو أنّ اللبنانيين الآخرين يرونه “ليس تماماً” كما هو يرى نفسه؟ عبثاً يحصل له هكذا ادراك.

وسام سعادة “المستقبل”