IMLebanon

ما الآلية التي توصل “14 آذار” إلى الجمهورية؟

حددت الولايات المتحدة الأميركية موقفها من الانتخابات الرئاسية بنقطتين أساسيّتين: إجراء الانتخابات في توقيتها الدستوري، ورفض التدخل الخارجي في هذا الاستحقاق. ولكن هل يندرج موقف واشنطن في سياق التمنيات؟ أم أنها ستدفع باتجاه الضغط لإجراء الانتخابات بعيداً من التدخلات؟

لا مؤشرات تدلّ، لغاية الآن، أنّ الولايات المتحدة في وارد ممارسة الضغوط لإجراء الانتخابات الرئاسية، ما يعني أنّ موقفها لن يتجاوز الكلام العام والمبدئي، إلّا أنّ الحراك الأميركي الاستثنائي في هذا الملف يعكس رغبة وإرادة حقيقيتين في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وإذا كانت المواقف المعلنة للإدارة الأميركية أو المسرّبة لا تخرج عن السياق المعنوي الذي لن يقدّم ولن يؤخّر ما لم يترافق مع خطوات عملية، إلّا أنّ الدفع باتجاه الترجمة العملية يُفترض أن يتم على قاعدة الضغط من أجل تحقيق الآتي:

أولاً، دفع واشنطن من أجل التلويح بتدويل القضية اللبنانية ودعوة مجلس الأمن إلى إصدار قرارٍ ملزمٍ بإجراء الانتخابات الرئاسية.

ثانياً، دعوة واشنطن إلى تعطيل مفعول السلاح على الساحة اللبنانية من خلال إعطاء إشارات واضحة أنّ استخدامه لترجيح كفة على أخرى، سيستجلب تدخلاً دولياً لتصحيح الخلل القائم.

ثالثاً، دفع الرياض إلى تحذير محور الممانعة من مغبّة استخدام الانتخابات الرئاسية لتحسين شروط مواجهته في لبنان وتعزيز مواقع نفوذه.

رابعاً، دفع الرياض إلى إبلاغ كلّ من يعنيهم الأمر أنّ المعركة الرئاسية، بالنسبة إليها، لا تقل أهمية عن المعركة الحكومية، وذلك في رسائل واضحة إلى النائب وليد جنبلاط والرئيس نجيب ميقاتي، خصوصاً وأنّ أحد أهداف انتخاب رئيس من “8 آذار” تعطيل عمل رئيس الحكومة وشلّ الدولة.

خامساً، تأكيد تيار “المستقبل” رسمياً، مع انطلاق العدّ العكسي الدستوري، دعمه انتخاب رئيس من داخل “14 آذار” وعلى قاعدة الأكثر تمثيلاً بما يعزّز الحضور المسيحي داخل مؤسسات الدولة.

سادساً، إعلان “المستقبل” استعدادَه حضورَ الجلسات الانتخابية التي يدعو إليها رئيس المجلس النيابي كلها.

سابعاً، مواصلة بكركي ضغطها لتأمين النصاب الدستوري وتحميلها مسؤوليةً لكلّ مَن يتخلّف عن ذلك، وتأكيدها على أهمية إيصال رئيس يعبّر عن وجدان المسيحيين.

ثامناً، إعلان موقف مسيحي موحد بفصل الصراع السنّي-الشيعي عن الانتخابات الرئاسية من زاوية عدم اعتبار انتخاب رئيس من “8 آذار” تزكيةً للفريق الشيعي، ورئيس من “14 آذار” تزكيةً للفريق السنّي، إنما التشديد على أولوية إعادة الاعتبار للوزن المسيحي على مستوى رئاسة الجمهورية التي هي وحدها قادرة على نقل الصراع من الطابع المذهبي إلى الطابع السياسي.

لا أحد يتوهم بأنّ الإدارة الأوبامية ستعيد إحياء التجربة البوشية بالدعوة إلى انتخاب رئيس من صفوف الحركة الاستقلالية وبالنصف زائداً واحداً، لأنّ الاختلاف بين سياسة الإدارتين واسع جداً، ولو أُسقِطت، على سبيل المثال، الحكومة الحريرية ودخل رئيسها البيت الأبيض في العهد البوشي لكان بالتأكيد قطع العلاقات مع سوريا ولبنان، ولكن، هذا لا يمنع من أنّ إعلان الإدارة الحالية رفضها التدخلات الخارجية في الاستحقاق الرئاسي ينمّ عن رسالة واضحة إلى إيران، كذلك الحركة المكوكية للسفير الأميركي والتركيز المتواصل على الاستحقاق الرئاسي يؤشران إلى اهتمام أكثر من لفظي وشكلي، فضلاً عن أنّ واشنطن والرياض لن تسمحا بإيصال رئيس يعزّز أوراق طهران ويريح “حزب الله” في لبنان.

وفي هذا المشهد كله، على قوى “14 آذار” أن تُحسن إدارة المعركة الرئاسية بالاستناد إلى أوراق قوتها: الإتكاء على الأميركيين لتعطيل وهج سلاح “حزب الله”، والإتكاء على السعوديين لضمان تصويت كتلة جنبلاط ونواب طرابلس الثلاثة إلى جانب مرشح الحركة الاستقلالية، والإتكاء على بكركي لتأمين النصاب الدستوري للانتخاب، والإتكاء على نفسها للدخول إلى البرلمان بمرشح واحد.

وحيال هذه الوقائع سيكون “حزب الله” أمام خيارين: المشاركة في الجلسة الانتخابية الرئاسية وتقبل النتيجة ديموقراطياً، أو تعطيل الاستحقاق الرئاسي وكشف نفسه أمام المجتمعَين الدولي والعربي واللبنانيين والمسيحيين بأنه المعطل للاستحقاق الرئاسي، الأمر الذي يفاقم عزلته، ويظهر مرة إضافية حقيقة أهدافه وغاياته ومآربه.

ومع تأمين النصاب هناك فرصة حقيقية لفوز “14 آذار” بـ65 صوتاً، وهذه الفرصة لا يجب تفويتها، لأنها قد لا تتكرر قريباً، خصوصاً وأنّ الظروف كافة مؤاتية لمنع الفراغ وإيصال رئيس سيادي-تمثيلي يستكمل ما بدأه الرئيس ميشال سليمان، ويعيد الاعتبار لدور المسيحيين داخل الدولة، هذا الدور المفقود منذ الوصاية السورية والذي حان الوقت لاستعادته بعودة المارونية السياسية إلى بعبدا.