IMLebanon

السياحة في لبنان: «ضوء أخضر سعودي»

أنهت السعودية جولة من المقاطعة السياحية للبنان امتدت على ثلاث سنوات. المؤسسات السياحية عانت طيلة هذه الفترة وتعايشت مع أزمتها بحسب قدرات كلّ منها وإمكاناتها. العودة السعودية إلى لبنان ستنسحب سريعاً لتطال دول الخليج الباقية. المؤسسات السياحية في لبنان تنتظر ترجمة عملية للنوايا الإيجابية

محمد وهبة
بعد انقطاع لأكثر من ثلاث سنوات، عاد النشاط إلى الحركة السياحية. التوقعات بانتعاش صيف 2014 يغذّيها «ضوء أخضر ضمني من السعودية» وفق توصيف وزير السياحة ميشال فرعون. هو التفاؤل يحلّ زائراً «عزيزاً» لدى المؤسسات السياحية اللبنانية. غير أن هذه التوقعات لا تزال مشوبة بالحذر، في انتظار ترجمة عملية لهذا الضوء الأخضر.

حتى الآن، ما يحصل هو عبارة عن «تصفية نوايا» تجاه لبنان، لكن ترجمتها العملية لم تصبح واقعاً بعد.

المرحلة السابقة

بتصريح واحد من السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري، شُطبت مرحلة المقاطعة السعودية. «لا وجود لحظر سعودي على سفر المواطنين إلى لبنان» قالها العسيري يوم الخميس الماضي. ثم فسّر العسيري كلامه بالإشارة إلى أن «ما حصل هو أن السعودية نبّهت مواطنيها من السفر إلى لبنان جراء الأحداث التي شهدتها بعض المناطق اللبنانية في وقت سابق».

موقف السعودية الوارد على لسان سفيرها في لبنان لا يستولد أي إيحاءات، بل يتحدث بوضوح ومباشرة عن نهاية مرحلة امتدّت على مدى ثلاث سنوات، أي منذ انفجار الأزمة السورية في آذار 2011 إلى اليوم. طيلة تلك الفترة، كانت التحذيرات من السفر إلى لبنان، بشقيها المكتوم والمعلن، هي الإطار الذي حكم العلاقة السعودية ـــ اللبنانية في مجال السياحة. إلا أن نتائج هذه المرحلة كانت موجعة في اقتصاد صُمّم منذ نهاية الحرب الأهلية، ليكون مورّداً أساسياً لليد العاملة الماهرة إلى الخليج، مقابل استيراد السياح من هذه الدول ذات المناخ الحار… وبالتالي، فإن انقطاع السياحة الخليجية عن لبنان كان له تبعات موجعة على موارده السياحية التي تمثّل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي.
قطاعياً، غرقت المؤسسات السياحية في أزمة الاستمرارية والتعايش مع الوضع الجديد، أي السياحة بلا الخليجيين. وبحسب نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي طوني الرامي، فإن «السنوات الثلاث الماضية كانت من أبشع السنوات في مجال السياحة، إذ عاشت المؤسسات السياحية مأزقاً أغرقها في معاناة طويلة».
ومن نتائج المرحلة السابقة، أن المؤسسات السياحية طلبت من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مساعدتها على إعادة جدولة ديونها مع المصارف، رغم أن فوائدها مدعومة، فحصلت على تمديد لفترة 3 سنوات إضافية على القروض المعطاة بضمانة كفالات. وبحسب المعطيات المتداولة بين المصرفيين، فقد حصلت المؤسسات السياحية على تسهيلات إضافية، وخصوصاً أن قدرات المؤسسات السياحية باتت ضعيفة في مواجهة النفقات التشغيلية.
كذلك، اتسمت المرحلة السابقة بعمليات صرف متواصلة للعمال من المطاعم والمقاهي والفنادق… وفيما أغلقت بعض المقاهي في الأماكن الباهظة الكلفة، مثل منطقة وسط بيروت التجاري وفي الجميزة وسواها، أغلقت الفنادق الكبرى في بيروت بعض طبقاتها من أجل خفض كلفة تشغيلها. ورغم ذلك، لم تشهد المؤسسات السياحية نتائج كارثية، بل تمكنت من التعايش مع الأزمة. فيما انطلق بعضها نحو تأسيس فروع لها خارج لبنان لتحقيق إيرادات تساعد على بقاء الفروع اللبنانية.

تحوّل سعودي

لم يرشح الكثير عن التحوّل السعودي الوارد على لسان العسيري، ولا عن أسبابه وخلفياته، لكن هذا الملف، كما غيره في لبنان، هو ملف ذو خلفيات وأبعاد سياسية. فبحسب وزير السياحة ميشال فرعون «نحن نعلم أنه في الفترة الماضية، كان هناك سوء تفاهم سياسي مع لبنان، وكانت هناك هواجس سعودية عن الحالة الأمنية المتوترة في لبنان والتي تطوّرت إلى مشاكل أمنية متنقلة شغلت بال اللبنانيين قبل أي أحد آخر، وكان من الطبيعي أن تشغل بال السعوديين أيضاً… لكن بعد تشكيل الحكومة، كانت هناك مراقبة سعودية للتوافق الأمني السائد في لبنان والتهدئة السياسية التي سبقته، ما أرخى أجواء جديدة أنتجت ضوءاً أخضر ضمنياً من السعودية بأن ليس هناك حظر سفر تجاه لبنان. لا يمكننا أن ننتظر إعلاناً رسمياً بإلغاء الحظر السعودي، لكننا بدأنا نلمس حركة من بعض الوفود السعودية إلى لبنان».
ويتوقع فرعون أن تكبر هذه الحركة وتنعكس إيجاباً على علاقة لبنان بباقي الدول الخليجية… نحن سندعو الجميع إلى زيارة لبنان، ونتوقع أن يكون هناك المزيد خلال الأسابيع المقبلة». لكن أي شرائح اقتصادية واجتماعية ستزور لبنان: هل هم فئة الأمراء ورجال الأعمال، أم هم الفئات الوسطى؟ يجيب فرعون بالإشارة إلى الخبر الأكيد لديه بأن الشرائح الوسطى ستأتي، لكنه يرفض أن يتوقع حركة الشرائح الأعلى.

عبود: رفع الحظر الخليجي عن لبنان سينعكس على حركة المغتربين
وفي هذا السياق، يشير المدير العام في فندق ريفييرا نزار ألوف إلى أن الشرائح الخليجية ذات القدرات المالية المرتفعة «تذهب حالياً إلى أوروبا والشرق الأقصى حيث لديهم تسويق ممتاز، ولا يمكننا أن ندعي بأننا ننافس مدناً مثل نيس وكان ومنتينيغرو وسواها… في السابق، كنا نعتمد على هذه الشرائح الخليجية ذات الإمكانات المادية الضخمة، لكننا فقدناها، وليس سهلاً استعادتها».
مهما تكن الحال، فإن كلام السفير السعودي ترك انطباعاً من التفاؤل لدى المؤسسات السياحية «فقد بدأنا نلحظ حركة خليجية بوتيرة أقوى، وهناك استفسارات من الرعايا العرب ومن بعض شركات السفريات عن الأسعار والحجوزات في الفنادق. محور هذه الحركة يدور حول شهر آب وعن فترة ما بعد شهر رمضان» وفق ألوف. ويلفت الرامي إلى أن «الوضع خلال الشهر الماضي كان جيداً، وإذا انتخب رئيس للجمهورية فسيكون الوضع ممتازاً».
وتيرة الحركة الجديدة لم تتبلور بعد، رغم الأجواء الإيجابية التي نقلت عن العسيري، وعن زيارة الوفد اللبناني للسعودية أول من أمس. فبحسب رئيس نقابة مكاتب السياحة والسفر جان عبود، فإن «المواقف المشجّعة التي وردت على لسان المسؤولين السعوديين لم تظهر ترجمتها العملية في حركة الحجوزات. الأمر يحتاج إلى بعض الوقت، ربما 10 أيام أو أسبوعين».
تفاؤل عبود ليس مرتبطاً بعودة الخليجيين إلى لبنان لأنه يعتقد أن رفع الحظر السعودي عن لبنان ستكون له مفاعيل قوية على حركة المغتربين وعودتهم لتمضية فصل الصيف في بلدهم الأم. إلا أن مجمل الحركة سيبدأ بالظهور اعتباراً من 15 حزيران المقبل «ولا سيما أن الأجواء مؤاتية بعدما استتب الأمن بصورة شبه تامة».

موقف من الضرائب

ثمة ثلاثة أنواع من الضرائب المفروضة على مؤسسات السياحة في لبنان من أجل تمويل سلسلة الرتب والرواتب؛ رسم وغرامات على التعديات على الأملاك العامة البحرية، زيادة الرسوم على تذاكر السفر، زيادة الرسوم على المشروبات الروحية. هذه المحاور الثلاثة يرفضها اتحاد النقابات السياحية، الذي عقد أمس مؤتمراً صحافياً للمطالبة بإعادة النظر فيها «نظراً إلى انعكاساتها الخطيرة على القطاع السياحي برمته». فالمؤسسات السياحية ترفض أن تدفع غرامة عن تعدّيها على الأملاك العامة البحرية، وهي ترفض زيادة الرسوم على المشروبات الروحية «لأنه لا يمكن رفع أسعار المشروبات على الزبائن أكثر مما هي عليه حالياً» يقول طوني الرامي. كذلك، يرفض رئيس الاتحاد بيار الأشقر تمويل السلسلة على حساب المؤسسات السياحية «لأن زيادة الضريبة لم تأخذ في الاعتبار واقع هذا القطاع، في وقت تعمل فيه الدول الإقليمية على خفض أسعار تذاكر السفر نرى ضرائب جديدة في لبنان، ما يجعل قدرتنا على المنافسة صعبة مع بلاد الجوار: قبرص، الأردن ومصر».