IMLebanon

مجلس الوزراء يدرس اقتراحات تقنية: من يدير دفّة الدين العام؟

محمد وهبة

يصل الدين العام إلى 65 مليار دولار وفق الأرقام الرسمية التي لا تحتسب ديون مصرف لبنان السوقية من ضمن هذا الدين. إدارة هذه الكتلة النقدية الكبيرة بأحجامها وفئاتها وآجال استحقاقها تتطلب إدارة خاصة، إلا أن هذه الخصوصية تصبح ذات أهمية قصوى في لبنان حيث لا أحد يعرف من يدير دفّة الدين

على مدى أكثر من 15 عاماً، لم تكن هناك إدارة للدين العام. إدارة هذا الملف كانت تتم بصورة عشوائية ووفقاً لأهواء وزراء المال المتعاقبين وعلاقتهم بحاكمية مصرف لبنان وعلاقة هذه الأخيرة بمصالح السوق. يخطئون مرة ويصيبون مرّة، ويغضّون الطرف مرّات. الأمر كان مزاجياً إلى درجة الفساد المتعمد والهدر المقصود تحت شعار مصالح الدولة التي ترسم في كواليس قصور الزعامات السياسية والمناطقية.

موازين القوى لم تكن يوماً لمصلحة أكثرية المكلّفين، بل لمصلحة التكتلات الكبيرة من مصارف وتجار وصناعيين ومضاربين عقاريين… بهذه العقلية كان يدار الدين العام، فيجري إصدار سندات خزينة بالليرة وبالدولار وتُحدّد فوائدها تبعاً لتفاهمات مراكز القوى. لاحقاً، أصبح الدين العام «ديون» عامة لا معايير موحّدة لاحتسابها، ولا تنسيق على إدارتها، ومن دون أفق واضح لما ستكون عليه في الأيام المقبلة. هل يصبح الوضع أفضل مع «الهيئة العامة لإدارة الدين العام»؟ ما هي الاقتراحات التي سترفعها هذه الهيئة إلى مجلس الوزراء؟

اجتماع المدينين

قبل يومين، عقدت الهيئة العامة لإدارة الدين العام اجتماعاً في وزارة المال برئاسة وزير المال علي حسن خليل، وبحضور عضو الهيئة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. بعد اللقاء، خرج الرجلان ليعقدا مؤتمراً صحافياً. سلامة صرّح أولاً، فلمّح إلى أن الاجتماع تنسيقي «لنتحدث في أمور الدين العام في لبنان الذي تتولى وزارة المال متابعته وتنفيذه». أما الأهداف «فهي ألا تخلق الحاجات التي ستموّل من الدين العام ضغطاً على الإمكانات التسليفية للقطاع الخاص، وألا تخلق ضغطاً على الفائدة التي يستدين لبنان بها، على اعتبار أن لارتفاع الفائدة آثاراً سلبية ليست اقتصادية فحسب، بل اجتماعية أيضاً». أما خليل، فصرّح بأنه جرى وضع «الخطوط العامة لاستراتيجية الدين العام والتي ستكون مدار نقاش في الأيام المقبلة في مجلس الوزراء لإقرارها، وعلى أساسها تقوم وزارة المال بخطوات بالتعاون مع مصرف لبنان لتنفيذها». وأوضح أن الهدف هو «إطالة متوسط استحقاقات ديوننا، ما يرتب انعكاسات مباشرة على الوضعين المالي والاقتصادي، وخفض نسبة الدين وتحديد حصّة العملات الأجنبية والمحلية منه». وفي هذا السياق «وضعنا كل المعطيات لاستحقاقاتنا الثابتة المرتبطة بالديون والاستحقاقات الواجبة علينا بالعملات المحلية والأجنبية، وموضوع العجز ونسبته، في مسار تحليلي أوصلتنا الى ما يجب أن نقوم به لجهة كيفية إدارة هذا الدين».

مكوّنات الدين العام

في الواقع، إن إقرار الهيئة العامة لإدارة الدين العام في عام 2008 فتح أبواباً كثيرة للنقاش في هذا الملف؛ فما هي الديون التي تحتسب ضمن الدين العام؟ من يدير دفّة الدين العام؟ ماذا تقترح الهيئة على مجلس الوزراء؟

النفقات الجارية هي مصدر الإنفاق الأساسي من الخزينة العامة وليست النفقات الاستثمارية

تقول مصادر مطلعة على هذا الملف، إن «الاجتماع كان فولكلورياً إلى حدّ ما لأن النقاط الأساسية التي تتعلق بإدارة الدين العام لم تُحسَم بعد وهي كانت محور نقاش منذ إنشاء الهيئة العامة لإدارة الدين العام». وبحسب المصادر، فإن احتساب العناصر والبنود التي يتألف منها الدين العام هي المشكلة الأساسية بين وزارة المال ومصرف لبنان. فالمعروف أن سندات الخزينة بالعملة الأجنبية والمحلية هي المكوّن الأساسي للدين العام، لكن مصرف لبنان أضاف مكوّناً إضافياً على هذا الدين خلال السنوات الماضية هو شهادات الإيداع. وبالتالي بات هناك تضارب في المنهجيات بين من يحتسب قيمة هذه الشهادات من ضمن الدين العام وبين من لا يحتسبها، ولكل غايته. فهذه الشهادات يصدرها مصرف لبنان وهو مصرف الدولة اللبنانية، وسندات الخزينة هي السندات التي تصدرها الدولة اللبنانية بواسطة وزارة المال. إذاً، من يدير هذه المحفظة التي بلغت قيمتها في نهاية آذار 2014 نحو 32 ألف مليار ليرة ومتوسط فوائدها 8.3%. واللافت أن قيمة محفظة سندات الخزينة بالليرة اللبنانية تبلغ اليوم 57500 مليار ليرة ومتوسط فوائدها بالليرة أقل بـ 1.42% من فوائد الشهادات، أي ما نسبته 6.88%.

إخضاع السياسات النقدية

كلفة الدين العام تختلف وفقاً لمكوّنات الاحتساب، وكلفتها أيضاً متفاوتة طبقاً لرؤية كل مستدين. فمصرف لبنان الذي يدير السياسة النقدية لديه رؤية ومقاربة مختلفة نسبياً عن وزارة المال لأنها متصلة بعلاقته مع المصارف والدائنين في السوق، أما وزارة المال فعليها أن ترسم سياسات مالية بأهداف اقتصادية إنمائية، فهل تتمكن من إخضاع السياسات النقدية لمقاربتها أيضاً، أم أن العكس هو الصحيح؟ هل لدى وزارة المال مقاربة أصلاً للإنفاق من الخزينة العامة بعدما كانت إدارة الدين العام عشوائية بالكامل حتى عام 2008 حين أنشئت الهيئة العامة لإدارة الدين العام؟  ثمة الكثير من الأسئلة الموازية لهذا النقاش المتصل بمن يدير دفّة الدين العام، فعلى سبيل المثال لو بدأ التنقيب عن النفط وأصبح لدى الخزينة العامة عائدات من النفط، فهل ستستعمل كلها أم نصفها أم جزء منها لإطفاء الدين العام أم لأغراض تنموية… من يرسم هذه السياسات وكيفية التعامل مع الدين العام؟ هل هو مصرف لبنان أم وزارة المال؟  ضرورة الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة بحجم الإنفاق الذي أجري خلال السنوات العشرين الماضية وحجم الدين العام الذي رتبه على لبنان. فبحسب دراسة أجراها الخبير الاقتصادي توفيق كسبار، أنفقت الدولة اللبنانية في الفترة الممتدة بين 1993 و2013 نحو 166 مليار دولار، ولم يذهب منها إلى الاستثمارات سوى 9% أو ما يعادل 15 مليار دولار، ولم تكن حصّة مشاريع البنى التحتية من هذا الإنفاق سوى 7% أو ما يعادل 11 مليار دولار… لذلك يرى كسبار أن «المصدر الأساسي لارتفاع الدين العام هو النفقات الجارية وليس النفقات الاستثمارية». وإذا كانت النفقات الجارية بهذا الحجم، فهذا يعني أن هناك هدراً كبيراً ذا طابع سياسي. ورغم ذلك، فالدين العام يصل اليوم إلى 65 مليار دولار، كما صرّح عنه وزير المال أول من أمس. والأكيد أن هذا الرقم للدين العام لا تدخل ضمنه محفظة شهادات الإيداع ولا غيرها من المكوّنات المكتومة مثل قيمة الاستملاكات وديون المقاولين وغيرهم… فالدين العام الحكومي الذي يشير إليه خليل يتألّف من سندات الخزينة بالليرة وبالعملات الأجنبية ومن القروض التي حصلت عليها الحكومة من الدول والمؤسسات الخارجية، ولا تدخل ضمنه ديون مصرف لبنان والمتأخرات والتي يفترض أن تظهر من خلال احتساب دين الدولة الإجمالي الذي لا تصرّح عنه الحكومة.

رغبات المسيطرين… سياسية

ويعتقد بعض خبراء البنك الدولي أن السياسات النقدية التي يتبعها أي مصرف مركزي في العالم لها وقع على الدين، لذلك فإن أهمية التنسيق بين وزارة المال ومصرف لبنان تستحوذ على أهمية استثنائية في لبنان نظراً إلى حجم شهادات الإيداع الكبير. إذاً، ما أهمية إدارة دفّة الدين العام؟ الإجابة تكمن في دراسة قديمة لتوفيق كسبار أيضاً، الذي أجرى احتساباً للأموال التي أنفقتها الدولة اللبنانية وتوزيعها بين 1992 و2008 وهي تكشف أن الخزينة العامة سدّدت 32 مليار دولار فوائد، أي أن هذه المبالغ ذهبت إلى مراكز مالية يعدّ ميزان القوى لمصلحتها. هذه المراكز هي مؤسسات مالية ومصارف وزبائنها من السياسيين والمضاربين والمنتفعين… وإذا أجرينا ربطاً بسيطاً بين النفقات الجارية التي تمثّل مصدر الإنفاق الأساسي، بوصفها مكمن الهدر والفساد، وبين الإنفاق على الفوائد، تظهر أهمية إدارة الدين العام بوضوح. مهما يكن الوضع، فإن استراتيجية الدين العام على مدى السنوات الثلاث المقبلة ستكون على طاولة مجلس الوزراء في وقت قريب وهي تتضمن اقتراحات ذات طابع مالي ـــ تقني لإدارة الدين العام على المدى القصير. المفاهيم السابقة لا تزال سائدة مع قليل من التنظيم.